شريف صالح 

اختتم على مسرح عبد الحسين عبد الرضا في الكويت، مهرجان الكويت لمسرح الشباب العربي، بمشاركة 12 دولة عربية، ونالت الدولة المضيفة، الجائزة الكبرى التي تحمل اسم صاحب المسرح، إضافة إلى سبع جوائز أخرى منها أفضل ممثل وإخراج، عن عرض «ريا وسكينة».

وفاز العراق بجائزة أفضل عرض متناغم، وأحسن مؤلف، عن «ون واي»، والمغرب بجائزة أفضل ممثلة عن عرض «سوالف القمرة»، وسلطنة عمان بجائزة أفضل ممثل دور ثان عن «لقمة عيش» لأحمد الرواحي، ومصر بأفضل أزياء عن «بينوكيو».

وبالنسبة الى كثيرين، كانت أبرز مفاجآت المهرجان استبعاد العرض الفلسطيني «مروح على فلسطين» من أي جوائز، على رغم أنه بشهادة كثيرين من أفضل عروض المهرجان، بزعم أنه نسخة «طبق الأصل» من عرض هولندي، فاكتفت اللجنة بمنحه شهادة تقدير عن موسيقى ومؤثرات سامر أبو هنطش.

ولو تحدثنا عن «الاستعارة» وشح التأليف، فنلاحظ أن العرض الكويتي «ريا وسكينة» نفسه، مستعار في عنوانه وحبكته من المسرحية المصرية الشهيرة، مع تغييرات بسيطة، والعرض المصري ذاته «بينوكيو» مستعار من قصة عالمية للأطفال، مع تباين مساحة الاشتغال والاختلاف عن العمل الأصلي.

كما أن مؤلف العرض القطري «همس الكراسي» كان متجاوزاً لسن الشباب المنصوص عليه في لائحة المهرجان. أي أن معظم عروض المهرجان عانت «أزمة» تأليف، ولجأت إلى «الاستعارة» النصية والبصرية، بدرجات متفاوتة.

 

الصوت العالي

وتكمن الملاحظة الثانية، في الصوت العالي والانشغال بما يُجرى في الساحة العربية، وظهر ذلك في العروض الخليجية عبر التركيز على تفكك المجتمع والأسرة والبطالة وضياع الشباب، كما في العرض الإماراتي «الليل نسي نفسه» أو السعودي «ليس إلا»، بينما تناول السوداني «مراكب الموت» قضية الهجرة غير الشرعية، وألقت الحروب بظلالها أيضاً خصوصاً على العرض العراقي.

وكان العرض الأردني «شمعة أمل»، الأسوأ، من ناحية المباشرة، والخطاب الوعظي، وأشدها قصراً، حيث لم يتجاوز 20 دقيقة، وأراد من خلال مشهد تمثيلي مفتعل، إدانة الإرهاب والحث على وحدة الأمة العربية. وكانت غالبية العروض المرتفعة النبرة، الأقل حصداً للجوائز، والأقل حضوراً في بورصة الترشيحات.

على مستوى التمثيل كانت هناك درجات اجتهاد كبيرة خصوصاً من علي الحسيني بطل «ريا وسكينة» والحائز جائزة أفضل ممثل، ومونية لمكيمل بطلة العرض المغربي والحائزة جائزة أفضل ممثلة، وكان العرض الأخير الأكثر نضجاً على مستوى الأداء التمثيلي، لجميع أبطاله، لناحية تقمص شخــصيات مختلفة، والتحول الدرامي، والحركة والحضور على الخشبة، وإن شكلت صعوبة اللهجة المغربية عائقاً كبيراً، في التواصل معه. كما ظهرت مشكلة اللهجة بدرجة أقل مع العرض السوداني. ومالت العروض إلى الحضور الجماعي، والأداء التعبيري والحركي، على حساب الممثل المفرد كما في عرض «مروح على فلسطين».

تُضاف إلى ذلك قلة العنصر النسائي، وهي آفة تظهر بوضوح في العروض الخليجية التي يلجأ بعضها إلى شباب لتجسيد أدوار نسائية، أو تصميم عالم بلا امرأة، ولذلك كانت جائزتا التمثيل النسائي شبه محسومتين، فظهرت امرأة واحدة في العرض الإماراتي، وفي المغربي أيضاً حيث جسدت شخصيات عدة، وامرأتان في عرض الكويت، وزاد العدد قليلاً في العرض المصري.

 

مسرح فقير

على مستوى السينوغرافيا، لجأت غالبية العروض إلى المسرح الفقير، قليل الكلفة، والستارة السوداء، والأجواء نفسها اتسمت بالسوداوية والكآبة نوعاً ما، اتساقاً مع طبيعة القضايا المطروحة. حتى العرض المصري عالج «بينوكيو» أو عالم الدُمى، عبر فلسفة وجودية عن الموت والحياة والحب والاغتراب، ولم يستثمر كثيراً في مجال الرقص وإشاعة البهجة. وعلى رغم أنه طرح أسئلة وجودية شائكة، رأى بعض النقاد أنه عرض لمسرح الطفل وليس الشباب!

في العرض الكويتي، اتسم الديكور بالثبات وكان عبارة عن سلالم عريضة تقسم الخشبة إلى مستويين: أعلى حيث مقر الشرطة والسلطة، وأسفل حيث بيت «ريا وسكينة». ومال العرض المغربي إلى التجريد والتحييد التام للسينوغرافيا، اكتفاء بشكل مبسط معلق في الأعلى كإحالة إلى «القمر»، مع بعض الصناديق يتم تحريكها واستعمالها. ولعل أسوأ العروض في الاشتغال على السينوغرافيا كان «شمعة أمل»، وأفضلها «مروح على فلسطين» الذي قرر تضييق الحيز التلقيدي للخشبة، كناية عن ضيق وتآكل مفهوم الوطن ذاته.

والسؤال الذي شغل كثيرين تعلق بإمكان أن يستمر المهرجان دورياً، اذ أكد مدير عام الهيئة العامة للشباب، الجهة المنظمة، عبدالرحمن المطيري حرص الكويت على أن يقام المهرجان سنوياً بالتناوب بين عواصم الشباب العربي، وتحت مظلة جامعة الدول العربية، فيما أشاد وزير الدولة للشباب بالوكالة خالد الروضان، خلال حفلة الختام، بدور الشباب وأهل المسرح في جمع الشعوب العربية.

وكان للجنة التحكيم برئاسة الفنان محمد المنصور مجموعة من التوصيات أهمها، الاعتناء بالتدريب ومهارات الشباب، وتوسيع رقعة المشاركة، في إشارة إلى غياب عدد كبير من الدول العربية، وكذلك أن تكون جميع العناصر المشاركة في سن الشباب الذي حددته اللائحة من 18 إلى 34 سنة.

عقب كل عرض أقيمت ندوة تطبيقية عنه، بمشاركة معقب رئيسي، إضافة إلى ندوة فكرية استمرت على مدى ثلاثة أيام تحت عنوان «مسرح ما بعد الدراما بين النظرية والتطبيق في مسرح الشباب العربي»، إضافة إلى ورشة في التمثيل بإشراف مبارك المزعل وعلي العلي.

كما أقام المركز الإعلامي مجموعة كبيرة من المؤتمرات لرؤساء الوفود وأبرز الضيوف من المسرحيين العرب.