باسم فرنسيس 

أكدت السلطات الكردية سيطرتها على الوضع بعد ليلة من العنف شهدت اقتحام محتجين مبنى برلمان كردستان والاعتداء على صحافيين وحرق مقار حزبية، احتجاجاً على تنحي رئيس الإقليم مسعود بارزاني، وسط تزايد المخاوف من نشوب «حرب أهلية» والعودة إلى نظام حكم الإدارتين، فيما دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي الجميع إلى التهدئة والتزام القانون، وحذر بارزاني الحكومة من الاستمرار في «لغة الحرب والتهديد».

وواصل مناصرو بارزاني صباح أمس احتجاجاتهم أمام مبنى البرلمان بعدما اقتحموه ليل الأحد واعتدوا بالعصي على مراسلي قنوات فضائية منها «إن آر تي» و «كي إن إن»، وعلى النائب رابون معروف، الناطق باسم حركة «الجيل الجديد» التي شكلت أخيراً بقيادة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد، واتهمه المهاجون بـ «التشهير بالبيشمركة وبارزاني» ووصفوهم بـ «المتخاذلين»، واضطر عدد من النواب إلى البقاء في المبنى، بعد أنتهاء جلسة التصويت التي شهدت مشادات واعتراضات من كتلة «التغيير».

واتهم معروف في تغريدة عبر «تويتر» عقب خروجه من البرلمان عضو المكتب السياسي للحزب «الديموقراطي»، سداد بارزاني وحرسه باحتجازه في غرفة نائب رئيس البرلمان و «تعذيبه مدة أربع ساعات وتصوير ذلك».

وقال سداد للصحافيين أمس: «تمت السيطرة على الوضع في البرلمان، ونحن مع التهدئة وعدم إثارة الفتن، ولن نسمح بحدوثها»، وذلك في أعقاب إقدام شباب غاضبين في قضاء زاخو (محافظة دهوك) على إحراق مقار تابعة لحركة «التغيير» و «الاتحاد الوطني»، ما وضع السلطات الأمنية في حالة استنفار تحسباً لشن هجمات مماثلة على مقار حزبية في أربيل.

ودعت رئاسة الإقليم السلطات الأمنية إلى «السيطرة على الوضع وعدم السماح بالاعتداء على المقرات الحزبية». وأوضحت أن «هناك أيادي مخربة تحاول إثارة العنف، وستتم محاسبة أصحابها». ودعت «المواطنين إلى المكوث في منازلهم والتعاون مع الأجهزة الأمنية». وحذّر «مجلس أمن الأقليم» برئاسة مسرور بارزاني «من يريد زعزعة الأمن أو مهاجمة المقار الحزبية بالتعرّض للمساءلة وسنواجهه بعنف، وعلى أجهزة الأمن إحباط أي محاولة لنشر الفوضى».

ودعا نائب رئيس الحكومة قوباد طالباني، نجل رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني، «قوات الأمن إلى التأهب لمنع إندلاع فوضى واضطرابات». واستنكر شاسوار عبد الواحد خلال تجمع لأنصاره في مدينة السليمانية الفوضى وقال: «سننظم تظاهرات في كل مدن الإقليم، ومستعدون للتوجه سيراً إلى أربيل»، وحمّلت حركته «بارزاني مسؤولية أي اعتداء على الصحافيين». وأوضحت أن «رد فعل بارزاني سببه الفشل الذي لحق به في عملية الاستفتاء على الانفصال، فهو ومقربوه يريدون الانتقام من حركتنا»، وهدّدت «بتنظيم تظاهرات عارمة في حال عدم تقديم الحزب الديموقراطي اعتذاراً رسمياً إلى الشعب الكردي».

وأكد محافظ دهوك فرهاد الأتروشي أمس أن «مرتكبي الاعتداءات فوضويون ومثيرو فتن لا يمثلون أي جهة سياسية وإنما يسعون إلى إشعال حرب داخلية، وسيتم اتخاذ الإجراءات بحق كل من يخترق القانون»، وتابع: «يجب الحفاظ على مكتسباتنا».

ودان حزب بارزاني الاعتداءات وحضّ على «الحفاظ على مقرات الأحزاب وعدم السماح للمخرّبين ومثيري الفتن بزعزعة الأوضاع»، وجاء موقفه بعد وقت قصير من طلب تلقاه من «الاتحاد الوطني» لـ «توضيح موقفه».

وحذّر «الاتحاد الإسلامي» من أن «الإقليم يواجه أخطاراً كبيرة وتهديداً داخلياً ما يدعو إلى وحدة الصف أكثر من أي وقت وعلى الجميع التعامل بمسؤولية، وعدم سماح الأحزاب لعناصرها ومؤيديها بارتكاب أعمال كهذه».

وكان مكتب زعيم «الجماعة الإسلامية» علي بايبر طالب أنصاره «بتشكيل حزام أمني حول منزله، خوفاً من تعرضه لاعتداءات»، وعلى إثر ذلك نشرت السلطات الأمنية عناصرها تحسباً لاقتحامه، ودعا حزبه «الديموقراطي إلى التحقيق ومحاسبة من أهان حرمة البرلمان وحاول الاعتداء على النواب والمكاتب الحزبية والشخصيات».

إلى ذلك، قال العبادي في بيان إنه يتابع «عن كثب الأحداث في الإقليم، وما حصل من اعتداءات ومحاولات إحداث فوضى واضطرابات وهو أمر يضرّ بمواطنينا وبالوضع العام». ودعا إلى «الالتزام بالنظام والقانون والتهدئة كي لا تنعكس الخلافات السياسية على المواطن الكردي الذي تضرّر كثيراً نتيجة هذه الممارسات، والحكومة الاتحادية حريصة على استتباب الأوضاع في كل محافظات العراق».

في كركوك، أفاد مصدر أمني بأن «مصوراً صحافياً يعمل في فضائية كردستان التابعة لحزب بارزاني قتل طعناً بالسكين من قبل خمسة مهاجمين، من دون معرفة الدوافع والأسباب»، في وقت حذّرت منظمات حقوقية من أن «يكون الدافع نزعة انتقامية بناء على عمله في قناة تابعة لحزب سياسي».

من جهة أخرى، تضاربت الأنباء عن نتائج المفاوضات الجارية بين «البيشمركة» والقوات الاتحادية حول استكمال عملية إعادة انتشار الأخيرة في المناطق المتنازع عليها، ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر مطلعة قولها إن «الطرفين اتفقا على تشكيل إدارة مشتركة لمناطق في محافظة نينوى وقرب دهوك، وهي المحمودية والشيخان وسحيلة والقوش وفايدة ومقلوبة التي كان بعضها يخضع لسيطرة السلطات الكردية منذ عام 2003، كما تشمل الإدارة المشتركة المناطق بين أربيل ونينوى، وهي الخازر والكوير، على أن تتولى السلطات الاتحادية إدارة مناطق سهل نينوى ومخمور وسنجار وزمار وربيعة»، وأشارت إلى أن «إدارة معبر فيشخابور في المثلث الحدودي العراقي السوري التركي ما زالت قيد التفاوض، إذ يطالب الأكراد بأن تكون تحت الإدارة المشتركة وبإشراف من التحالف الدولي».

وأبلغ بارزاني إلى السفيرين الألماني سيريل نان والفرنسي برونو أوبيرت أن «سياسة إقليم كردستان هي السعي إلى حل المشاكل سلماً عبر الحوار، لكن إذا واصلت بغداد لغة الحرب والتهديد وفرض الأمور وكسر كرامة شعب كردستان، فإن شعبنا والبيشمركة سيدافعان عن كرامتهما بكل ما أوتيا من قوة».

وقال إن «إجراءات وعدوان الحكومة والمليشيات غير دستورية، ويجب عدم استخدام القوة العسكرية بأي شكل من الأشكال في الخلافات السياسية وضد شعب الإقليم، فنحن لسنا مع إراقة الدماء، ونؤكد أن النية السيئة للحكومة دفعت قواتنا للدفاع عن نفسها»، فيما أكد السفيران أنهما «يراقبان الوضع والمفاوضات الجارية بين أربيل وبغداد، وشجعا على حل الخلافات بالحوار».