سمير عطا الله

 سوف أحاول أن أروي القصة كما سمعتها بأقصى درجة ممكنة من الحفظ. إنها حكاية زميل كويتي دُعي مرة إلى حفل استقبال أقامه صديق له من رجال الأعمال. كان في الحفل 48 شخصاً؛ 46 منهم سفراء بلدانهم لدى الكويت، والاثنان غير الدبلوماسيين؛ الزميل وصاحب الحفل.

وصل الزميل مع المبكرين، وراح يبحث عن رجل يحادثه، أو حلقة ينضم إليها. ولمح من بعيد رجلاً بدا أنه السفير الهندي، فاتجه نحوه وقدم نفسه، ثم قال: «أما أنت يا سعادة السفير، فلست بحاجة إلى التعريف بنفسك. لي قصة جميلة مع الهند وأحب أن أرويها لك. وسامحني على بعض التفاصيل.
يا صاحب السعادة إنها ليست قصة واحدة، بل مجموعة قصص وحكايات وتجارب ما أروعها. بدأت حياتي التجارية مع موظَفَين من الهند، فكم تعتقد عدد الموظفين الهنود الآن؟ نعم يا صاحب السعادة، إنهم 200 موظف من كل الولايات.
وهل تعرف ماذا حدث في المقابل يا صاحب السعادة؟ استخدمنا منذ عشرين عاماً أربعة باكستانيين، فهل تعرف ما عددهم اليوم؟ ثلاثة يا سعادة السفير، لأن الرابع توفاه الله، ففضلنا أن يحل في موقعه موظف هندي. لا داعي لأن أشرح لك الأسباب وتقدمكم التكنولوجي. لكن التكنولوجيا ليست الميزة الوحيدة؛ سعادتك. هناك أولاً السلوك وحسن التصرف. وأنت تعرف أكثر مني أن عندنا في الكويت 80 ألف هندي و5 آلاف باكستاني، فما نسبة المخالفة للقانون؟ لا داعي لأن أطلعك عليها. لعلكم تعرفونها مقدار ما تعرفها حكومتنا».
بعد قليل لاحظ الزميل أنه يتعرق من شدة الحماس، بينما صاحب السعادة متجمد مثل القطب. لا ترحيب ولا تمايل في الرأس دلالة الامتنان، بل استقامة كالرمح، وهزة ذقن إشارة إلى الموافقة على شيء مما قال.
أدرك أنه في ورطة، لكنه لم يدرك ما هي. وفكر في أن خلاصه الوحيد هو الانتقال إلى سفير آخر ولو أنه يمثل بلداً لا تتعاطى شركته مع أهله. ولم يحاول صاحب السعادة مساعدته في الخروج من قفص الحرج. وفيما هو يستعد للابتعاد ولو من دون أي عذر، سمع صوت مذيع الاستقبال يعلن «وصول صاحب السعادة سفير الهند». الرجل الصامت كان سفير باكستان، والزميل هو الأستاذ أحمد الصراف، وكتابه هو: «كلام الناس: مقالات وذكريات».