أمل عبد العزيز الهزاني 

الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له العاصمة السعودية الرياض قبل أيام، أطلقته يد الحوثي من اليمن، وصنعته وهرّبته ودعمته وأمرت بإطلاقه إيران، لكنّ هناك مسؤولاً ثالثاً غير مباشر عن هذه الجريمة هو الأمم المتحدة.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه المناسبة الصعبة: هل كانت الأمم المتحدة بتقاريرها المهزوزة ستفرض عقوبات أو تدين تطوير إيران نظامها الصاروخي ودعمها اعتداءات الحوثي المتكررة على الأراضي السعودية ومنها منطقة مكة المكرمة والعاصمة؟ قرار مجلس الأمن رقم 2216 واضح في نصه الذي «يطالب الحوثيين بالقيام فوراً دون قيد أو شرط بالكفّ عن استخدام العنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية بما في ذلك منظومات القذائف، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة».
مع ذلك، كل ما نشهده من مواقف لهذه المنظمة التي يُفترض أنها ترعى الأسرة الدولية، هي مواقف أقل ما يقال عنها إنها انتقائية، مزاجية، متخبطة ليس لها موقف واضح، والأسوأ أنها تبدو كأنها ترى الحقيقة وتمتنع عن ذكرها.
للأسف، الأمم المتحدة بصيرة في مناطق مثل سوريا والعراق وليبيا، لكنها عمياء في مناطق أخرى مثل اليمن، أو أنها تتجاهل حقائق على الأرض لم تحاول حتى الاطلاع عليها والتحقيق حولها.
تقرير الأمم المتحدة الدوري حول الوضع الإنساني والطفولة في أماكن متفرقة من العالم أصبح مثل حكم المحكمة الأوليّ، بعد أيام تعيد نقضه وفق معلومات تقول: إنها مستجدة. فهل تحاول المنظمة الدولية بهذه المواقف المتلونة ممارسة ضغط سياسي على تحالف الشرعية للتراجع والدفع بالحل السياسي؟ إن كانت كذلك الحال، فالتحالف يتبنى منذ بداية الحرب موقف مجلس الأمن من أن الحل السياسي موجود وفق القرار 2216 ضمن المبادرة الخليجية، ولا يوجد ما يبرر تأخيره سوى أن إيران لم تأذن للحوثيين بقبوله.
والحقيقة أننا نشعر بالخذلان كون الأمم المتحدة نفسها تمارس اختراقاً لقرار مجلس الأمن بعد أن قدمت مؤخراً مساعدة مقدارها 14 مليون دولار، لما يسمى وزارة التعليم اليمنية، لتساعدهم في فتح المدارس للطلبة! ما يقال عنها إنها وزارة تعليم هي جهة حوثية تضع ملصق التعليم، وما فعلته الأمم المتحدة معها هو اعتراف بشرعية الحوثي، والتفاف على قرار مجلس الأمن، فهل وقفت المنظمة على عملية إنفاق هذا المال، وهي التي تملك تقارير من «اليونيسف» تؤكد أن الحوثي يجنِّد الأطفال، الذين يفترض بهم أنهم على مقاعد الدراسة، لزرع الألغام في المناطق الآهلة داخل اليمن وعلى حدود المملكة، وعشرات من هؤلاء الأطفال سلمتهم قوات الجيش الوطني اليمني و«اليونيسف» لأهاليهم...؟ كيف يمكن للأمم المتحدة تجاهل حتى تقارير مؤسساتها وتقديم دعم لجماعة إرهابية مأمورة بوضع السلاح بقرار أممي؟!
أطلق الحوثي صواريخه على عدة مناطق في جنوب السعودية محاذية لليمن، أصابت منازل مواطنين ومدارس ومساجد، مما اضطر الحكومة السعودية إلى إخلائها، وأطلق صواريخه على منطقة مكة المكرمة، في عمل شيطاني استفزّ مشاعر المسلمين ليقول: إن المملكة غير قادرة على حماية المقدسات، ثم الصاروخ الأخير الذي كان معداً لاستهداف منطقة آهلة بالسكان قرب مطار الملك خالد الدولي بالرياض، والذي وصل إلى مدى 1600 كيلومتر من اليمن.
الصاروخ الذي كان يستهدف الرياض كان منطلقاً حاملاً رسالة من إيران بأن الحوثي في اليمن يكافئ «حزب الله» في لبنان الذي تنوي الولايات المتحدة وحلفاؤها قصقصة ريشه. رد فعل انفعالي بعد استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بقرار شجاع ينبئ بمواجهة تأخرت بفعل تراخي الموقف الدولي ونعومة إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
السعودية قدمت تضحيات لم تقدمها أي دولة في حالة حرب؛ تولت وحدها مسؤولية المساعدات الإنسانية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، قدمت ربع مليار دولار لهذا الهدف وتوشك على تقديم مثيله خلال الفترة القادمة، تعرضت أراضيها ومواطنوها للعدوان على الحدود الجنوبية، نفذت رقابة صارمة على الحدود البرية والبحرية والجوية لمنع تهريب السلاح من خارج اليمن، إضافة إلى العمليات العسكرية وتدريب الجيش الوطني التي نفّذتها بمشاركة أعضاء التحالف وعلى رأسهم الإمارات العربية المتحدة. وخلال هذه الفترة استقبلت نحو ستمائة ألف يمني فروا باتجاه المملكة ومنحتهم إقامة نظامية مع حق العمل والتعليم والعلاج. كل هذا مثبت في تقارير «اليونيسف» والصليب الأحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية، وكان من حسن التصرف على أقل تقدير أن تلقى هذه الجهود اعترافاً بها وتقديراً لها من الأمم المتحدة، لأنها كلها تهدف إلى تحقيق ما كانت المنظمة مسؤولة عنه ومن صميم أسباب تأسيسها وهو منع انهيار الدولة اليمنية بعد انقلاب ميليشيا الحوثي على النظام الشرعي الحاكم وتهديده السلم الأهلي.
إن أرادت الأمم المتحدة أن تصحح من موقفها فعليها البدء بالتفعيل الجاد لمشروع القرار العربي الذي أقره مجلس حقوق الإنسان الداعم للجنة الوطنية اليمنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، المدعومة من مجموعة من الخبراء الدوليين في مجال حقوق الإنسان، هذا إن أرادت حقاً أن تحتفظ بهيبتها الدولية.
أما الرياض فمن حقها اليوم الدفاع عن نفسها بما تقتضيه مصالحها، في اليمن أو غيره، إن عاجلاً أو آجلا.