نعمت أبو الصوف 

كان الشعار السائد في مؤتمرات صناعة النفط على مدى العامين الماضيين "أسعار أقل لفترة أطول"، ولكن هذا المفهوم قد تغير الآن. حيث كان إجماع الرأي هو أنه مهما تفعل "أوبك" لا يمكن لأسعار النفط أن ترتفع كثيرا فوق مدى 55 ــ 60 دولارا للبرميل، لأن منتجي النفط الصخري سيرفعون الإنتاج ويكبحون جماح الأسعار. ولكنّ هناك الآن زخما آخر جاريا بالفعل، وقد يكون له هذه المرة بعض القدرة على البقاء.
في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر)، تم تداول خام برنت فوق 60 دولارا للبرميل، وهو ما يمثل مكاسب بنسبة تفوق 30 في المائة منذ تهديده بالتراجع دون 45 دولارا للبرميل في 21 حزيران (يونيو). وكان أداء خام غرب تكساس الوسيط أقل صعودا، ولكن المؤشر الرئيس، فوق 54 دولارا للبرميل لا يزال مرتفعا بنسبة 18 في المائة. في الوقت نفسه يبقى السؤال: هل تجاوزنا الأسوأ؟
الطلب على النفط في ارتفاع. في أيلول (سبتمبر)، رفعت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو الاستهلاك العالمي في عام 2017 بمقدار 90 ألف برميل يوميا إلى 1.6 مليون برميل يوميا. وفي الربع الثاني، سجل الطلب على النفط زيادة سنوية بلغت 2.3 مليون برميل يوميا، مقارنة بـ1.3 مليون برميل في اليوم فقط في عام 2016. وكانت مصادر نمو الطلب غير عادية أيضا: ليس من البلدان النامية بل من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. حيث إن البنزين الرخيص أدى إلى زيادة الطلب عليه في الولايات المتحدة. ووصفت وكالة الطاقة الدولية الطلب الأوروبي في الصيف أنه "قوي بشكل استثنائي". على الرغم من استمرار الشائعات عن تمديد "أوبك" اتفاق خفض الإنتاج إلى ما بعد الربع الأول من 2018، ليس الوقت المناسب الآن لتأكيد القرار. ولا يزال امتثال المنظمة لهذه التخفيضات مرضيا، حيث وصل في أيلول (سبتمبر) إلى 86 في المائة، حسب وكالة الطاقة.
"أوبك" قد تكون مسرورة أيضا من منحنى الأسعار المستقبلية. حالة "الكونتانجو" Contango، أي أن الأسعار المستقبلية "الآجلة" أعلى من الأسعار الفورية، التي سادت على مدى العامين الماضيين تعكس حجم وفرة الإمدادات وجعلت أيضا الحد منه أكثر صعوبة. ولكن الهيكل تحول في الأشهر الأخيرة وأصبح الآن في حالة التراجع Backwardation، أي أن أسعار الشهر الفوري أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، لذلك تخزين النفط لوقت لاحق لم يعد مربحا.
هناك ثلاثة عوامل الآن ستقرر ما إذا كان هذا الزخم في الأسواق سيستمر أو هذا الارتفاع سيتلاشى مثل ذلك الذي سبقته. الأول هو اقتراب فترة الصيانة الدورية للمصافي والضعف الهيكلي للطلب في الربع الأخير من عام 2017. على المدى القريب جدا، يعتمد بعضها على وتيرة إعادة تشغيل المصافي في الخليج الأمريكي. في هذا الصدد، قال بنك باركليز ليس جميع الوحدات المتضررة من الأعاصير ستعود بكامل طاقتها بسرعة كاملة: فقد تضرر نحو 2.3 مليون برميل يوميا من طاقات التكرير، نحو 400 ألف برميل في اليوم منها لا تزال مغلقة، و1.4 مليون برميل في اليوم في طور إعادة التشغيل. وهذا يعني أن مخزونات المنتجات ستستمر بالتراجع. ولكن إذا عادت المصافي عكست هذا الاتجاه الأخير، فإن الأسواق ستضطرب.
وبالنسبة لبقية العام، يعتمد التوازن على موقف مصافي التكرير. هوامش التكرير القوية يجب أن تحفزهم على إبقاء المصافي تعمل بأقصى طاقة ممكنة. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ترتفع إنتاجية المصافي بشكل معاكس للاتجاه الموسمي بمقدار 400 ألف برميل في اليوم في الربع الرابع.
على افتراض أن أسواق النفط تجاوزت الربع الرابع وهي بحالة جيدة، العقبة المقبلة هي الربع الأول من عام 2018. تبدو التوقعات غير مشجعة. حيث تعتقد وكالة الطاقة الدولية أن الطلب في الربع الأول من العام المقبل سيكون أقل بكثير من الربع الرابع من العام الحالي بمقدار 0.83 مليون برميل في اليوم. وعلى سبيل المقارنة، كان الانخفاض بين تلك الأرباع خلال العامين السابقين نحو 330 و220 ألف برميل في اليوم على التوالي.
لذلك ما ستقوم به "أوبك" في أوائل عام 2018 ــ في ظل هذه التوقعات ــ هو قوة السوق الحاسمة الثانية. ويتوقع عدد قليل فقط من المراقبين أن تتوقف المنظمة عن خفض الإنتاج كما هو مقرر في الربع الثاني من عام 2018، وذلك لأن إعادة 1.2 إلى 1.8 مليون برميل في اليوم إلى الأسواق بعد ربع من هشاشة الطلب سيهدم الأسعار. في حين يتوقع كثيرون أن تقوم "أوبك" بتمديد الاتفاق لربع أو ربعين. وفي كلتا الحالتين، تحتاج "أوبك" إلى هندسة انسحاب سلس. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن يبلغ متوسط الطلب على نفط "أوبك" 32.4 مليون برميل في اليوم في 2018 "و31.8 مليون برميل في اليوم فقط في الربع الأول". ولكن، إذا أخذنا "ليبيا ونيجيريا"، كانت "أوبك" تنتج بالفعل 32.67 مليون برميل في اليوم في آب (أغسطس). رفع الإنتاج مرة أخرى سيطغى على إعادة التوازن.
العامل الأخير هو استجابة المنتجين من غير الدول الأعضاء في "أوبك" , والمحللون فجأة أصبحوا أكثر انقساما هنا مما كانوا عليه في السابق. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع العرض من خارج "أوبك" بمقدار 1.5 مليون برميل في اليوم في العام المقبل، أو أكثر من ضعف زيادة عام 2017. ويكفي ذلك وحده لتلبية نمو الطلب العالمي المتوقع. ومع ذلك، بدأت بعض الشكوك الجديدة تحوم حول النفط الصخري، وهو مكون رئيس من هذه الزيادة المتوقعة في العرض. فقد خفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعاتها لإنتاج النفط الأمريكي هذا العام بنحو 100 ألف برميل في اليوم.
إذا كان كل هذا يشير إلى مزيد من التشدد في الأسواق، يجب على المستثمرين التحرك بعناية. بعض المشاعر تتحول. لكن إدارة معلومات الطاقة حتى بعد أن خفضت توقعاتها لإنتاج النفط الخام الأمريكي، لا تزال تعتقد أن الإنتاج سيصل إلى 9.8 مليون برميل في اليوم في العام المقبل، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق. وسيؤدي الارتفاع المستمر الآن إلى عواقب أخرى. لقد كان امتثال "أوبك" مرتفعا خلال فترة الهبوط، ولكنه يميل إلى التلاشي مع ارتفاع الأسعار. لم يعد هناك أحد يشك في أنه في أسواق أكثر ازدهارا، هناك ما يكفي من النفط ليتم إنتاجه بسرعة. اعتبارا من آب (أغسطس) 2017، كان لدى الولايات المتحدة أكثر من سبعة آلاف بئر محفورة ولكن غير مكملة في انتظار إشارة من أسعار النفط.