حسين شبكشي

 وظهر سعد الحريري على شاشة التلفزيون من منزله في الرياض وعلى الهواء مباشرة، وأجاب عن كافة الأسئلة التي طرحت عليه بشجاعة ووضوح؛ كافة الأسئلة بلا هرب ولا مراوغة. أسئلة «روّج» لها قطيع إعلام تنظيم «حزب الله» الإرهابي ومرتزقته يظهرون فيه «خوفهم» و«قلقهم» على حياة سعد الحريري. ويأتي هذا الخوف والقلق من الفريق الذي نفذ فعلياً عملية اغتيال رفيق الحريري والد سعد نفسه.

سعد الحريري عائد إلى لبنان في خلال يومين، وهو على يقين أنه يحمل كفنه بين ذراعيه والموت أمامه، فهو يتعامل مع فريق لا يتفاهم إلا بالخلاص من معارضيه، والقائمة على ذلك طويلة جداً وحزينة جداً، لكنها دليل واضح على فجاجة العدو ومدى قدراته.
سعد الحريري سيعود وقرار استقالته من عدمه يبقى قراره، والمعيب في حق لبنان من اللبنانيين أنفسهم هو تركيزهم على مكان وجود سعد الحريري، وذلك بدلاً من التركيز على سبب استقالته في المقام الأول، الذي هو بيت القصيد. الرجل حياته مهددة بالقتل وقراراته السياسية تبتر، ومكانته تتجزأ وسط الممارسات الاستفزازية من تنظيم «حزب الله» الإرهابي ضد الكثير من الدول العربية.
لا يدرك اللبنانيون حجم الغضب الشعبي ضدهم وضد حكومتهم في الكثير من العواصم العربية وفي الشارع الخليجي، وبالذات في السعودية. ولا أبالغ أبداً بالقول إن المسائل يبدو أنها وصلت إلى مرحلة ونقطة اللارجوع. الثقة اهتزت وانشرخت، والجدران التي كانت تمسك بالعلاقة من التداعيات تتهاوى بسرعة مذهلة وشديدة.
الحالة في لبنان ليست لها علاقة بالحالة «الشعبوية»، بل هي أكثر من ذلك بكثير؛ ففي لبنان هناك «شبيحة» رسمي، بالمعنى الحقيقي والعملي لهذه الكلمة. أعرف لبنان جيداً، عشت فيه طفولتي مع والدي، وتعرفت من خلالهما على أهم شخصيات المجتمع المدني وأرقاها؛ غسان تويني، صائب سلام، حسين الحسيني، رشيد كرامي، تقي الدين الصلح، رشيد الصلح، موسى الصدر، سليمان فرنجية، حسين منصور... أسماء يقف لها الإنسان احتراماً وتقديراً. وكنت مهتماً بالشأن الإعلامي فيه، معجباً بالحراك السياسي، مأخوذاً بالإنجازات الاقتصادية، متابعاً للحركة الثقافية والفنية؛ ولذلك، ولعلمي بكل ما ذكرت لم أرَ بلداً يسقط إلى الهاوية بهذه السرعة الصاروخية ويتبدل حاله بهذا الشكل، ولا أقبل أو أقتنع باستمرار لوم «الدول الأخرى» على «تدخلها» في لبنان.
بعض ساسة لبنان ومن يتبعهم هم أساس المشكلة. لا يوجد إنسان في كامل قواه العقلية أن يقبل بإرهابي مثل حسن نصر الله أن يخرج على الناس ليحاضر فيهم عن خوفه وقلقه على خصمه وعدوه السياسي، والمتهم بقتل أبيه، ويلقى أي جدارة ومصداقية واحترام إلا في لبنان.
ادعاء حسن نصر الله بأنه يخشى على حياة سعد الحريري هو كالصلاة في حي البغايا، والغيبوبة الطويلة التي دخل فيها لبنان لم يفُق منها حتى الآن، ويبدو أن تداعياتها الخطيرة مستمرة دون إدراك حقيقي لأبعاد ذلك على البلد وعلى الشعب.