محمد خلفان الصوافي

مطالبة عبدالله بشارة، أول أمين عام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الذي نظمه مركز الإمارات للسياسات، مؤخراً، بإعادة صياغة ميثاق المجلس كي يتماشى وتحديات المنطقة، هذه المطالبة يمكن إدراجها ضمن «أنين» مواطن خليجي «عايش» الأفكار الطموحة لتأسيس هذه المنظومة السياسية بأهدافها السياسية الساعية لإيجاد توازن قوي في المنطقة، لكن بعد أكثر من ثلاثة عقود نجد أن بعض المقاربات لم تثبت جدواها مع نظام الملالي في إيران.

مطلب عبدالله بشارة، في الحقيقة، يطرب آذان بعض الخليجيين، وهم كثر، كونها نابعة من ألم لدى الكثير من أبناء دول المجلس بسبب تراجع الطموحات التي كانت متوقعة وحتى تلك التوقعات التي كانت مرتقبة من الدول الكبرى في تحقيق الاستقرار ووضع حد للعربدة الإيرانية في المنطقة في واحدة من أهم المناطق في العالم نظراً لحجم احتياطات الطاقة فيها، وبالتالي فإن مطلب بشارة وطرحه يمكن أن يُفهما على أنهما هدية للغيورين على هذا المجلس من أجل مراجعة أفكاره وإعادة صياغتها لتواكب حجم التحديات التي تواجهها المنطقة عموماً والمنظومة الخليجية خصوصاً، وربما أهمية المطلب المطروح حالياً كونه جاء من شخصية خليجية مخضرمة وقلقها على هذا الكيان نابع مما يعرفه عن أفكار التأسيس.

وقد يكون مثل هذا الطرح مدعاة لاستفزاز البعض في المنطقة، نظراً للطبيعة العاطفية التي تسيطر على أبناء هذا الجزء من العالم، حيث يرفض الكثيرون أي طرح يمس المجلس حتى دون معرفة طبيعة الصياغة البديلة المقترحة، لكن الواقع أيضاً أن التحديات الاستراتيجية في المنطقة هي أكبر وأشد جسامة مما يعتقده الكثيرون، وبالتالي فإنه إذا كانت العوامل التاريخية والجغرافية عناصر مساعدة للتعاون الإقليمي بين دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الواقعية السياسية التي ما زال الكثيرون منا يرفضونها، تركز على المصالح السياسية والاستراتيجية في العلاقات بين الدول وبين النظم الإقليمية باعتبار الأخيرة هي الضمان الأكبر للتخطيط والتعاون بين الدول الأعضاء في كل تنظيم إقليمي، ولهذا فإن طريقة التعاون بين الدول لا بد أن ترتقي إلى حجم التحديات بعيداً عن الرغبات والميول العاطفية.

لكن للأسف الشديد فإن علاقات بعض دول مجلس التعاون مع المصدر الأول للتهديد، أي إيران وميلشياتها المسلحة، هي علاقات أقوى من علاقاته مع أعضاء المجلس أنفسهم، لذلك بات الأمر بالنسبة للمراقب الخارجي وكأن الحاجة إلى هذه المنظومة قد تم تجاوزها، وبالتالي يكون من الأفضل إعادة النظر فيها أو إعادة صياغة أساليب عملها لتتواكب مع طبيعة التحديات كما حدث مع حلف شمال الأطلسي «الناتو» عندما تمت إعادة صياغة وظيفته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة.

لكن فكرة مجلس التعاون كمنظمة سياسية لها خصوصيتها، «تشوهت» مع انقلاب حمد بن خليفة آل ثاني على والده في قطر عام 1995 ثم افتتاح قناة «الجزيرة» القطرية، حيث انكسرت الخصوصية الخليجية وبدأت تظهر «سياسة أجندات» خارجية وإقليمية تخترق هذه المنظومة، ولم تعد قطر التي نعرفها قبل ذلك التاريخ، لذلك بدأت تبرز تساؤلات خليجية حول الهدف من هذا المجلس طالما لم يوجد موقف واحد تجاه مهدداته، وظهر ما بات يعرف بـ«الدبلوماسية المنفردة» لدوله، وظهرت تعاملات منفردة لبعض الدول الخليجية مع إيران وفق الزاوية الخاصة بها، فصار الحديث عن أهمية إيجاد صيغة خليجية جديدة، فطرحت عندئذٍ فكرة الاتحاد الخليجي، لكن لم ترَ النور ومن ثم جاء التحالف الإماراتي السعودي في مواجهة التدخلات الإيرانية في اليمن، باعتباره المقاربة الأفضل في ظل حالة التراجع العربي، وليس الخليجي فقط، في مواجهة محاولات توسيع النفوذ الإيراني.

أعتقد أن أفضل عنصرين لصياغة العلاقات الدولية هما: المصالح السياسية والأهداف المشتركة، ليس فقط كونهما اللغة التي تفهمها الدول، لذلك فهما معتمدان في كل نظريات العلاقات الدولية، وأي نجاح لأي منظومة سياسية أو علاقات ثنائية بين الدول من السهل أن تجد أن معياره المصالح المشتركة، أما مسألة الارتهان إلى أي شيء آخر مثل التاريخ المشترك والقرب الجغرافي (رغم أهميته) إلا أنه لا يمكن اعتباره عاملاً أساسياً، لذلك ستكون النتيجة استمرار الريبة والقلق لأن المواقف السياسية إما أن تكون غامضة وغير واضحة تجاه التحديات التي تواجه الجميع، كحالة إيران والعراق مع دول مجلس التعاون، أو حالة الشك في مصداقية أي موقف سياسي قوي ضد العدو المشترك، وخير مثال هنا هو تجربة دول عاصفة الحزم حين قررت الاستعانة بمن يفترض أنهم حلفاؤها سواء من الخليج أو من بقية العالم العربي والإسلامي، لكنها للأسف لم تجد المساندة المنتظرة من دول كان الأمل معقوداً عليها.

وبشكل عام، إذا كان صحيحاً أن الأساس الذي قام عليه مجلس التعاون الخليجي في بداية الثمانينات، وهو الحد من تأثيرات الثورة الإيرانية والتصدي لرغبة ملالي إيران في تصدير ثورتهم إلى الخارج، فإن هذا يعزز الانطباع بأن إعادة صياغة ميثاق المجلس أمر مهم، لأن التوجس من شر إيران ما زال موجوداً ويتضخم مع مرور الوقت من خلال ميليشياتها، لكن المسار الخليجي لم يعد كما كان، وقد يكون من المناسب الارتكاز على التحالف الإماراتي السعودية باعتباره نقطة انطلاقة خليجية جديدة!