زاهي حواس

 يستحق ما يقوم به الأمير سلطان بن سلمان والفريق المعاون له من نهضة شاملة للتراث الأثري السعودي، ليس فقط الإشادة به، بل التعريف به كتجربة ومثال يستحق التطبيق في أماكن أخرى، إذا كنا بالفعل جادين في إحراز نهضة للحفاظ على تراثنا الحضاري. استطاع الأمير سلطان بن سلمان خلال السنوات الماضية تغيير مفاهيم العمل الأثري، ووضع استراتيجية جديدة لإدارة التراث الأثري السعودي، في تجربة نالت احترام العالم وأشاد بها المختصون في إدارة التراث الحضاري في المحافل العلمية.

ولقد تلقيت والدكتور خالد العناني وزير الآثار المصري دعوة كريمة في الأسبوع الماضي، وذلك لحضور ملتقى آثار السعودية الأول؛ وفور وصولنا توجهنا إلى المتحف الوطني بالعاصمة الرياض، حيث تقام فعاليات المؤتمر، وكان هناك تأكيد تام من جميع المسؤولين بأن آثار المملكة تلقى كل رعاية واهتمام من الملك سلمان بن عبد العزيز. وبدأت فعاليات المؤتمر بزيارة معرض روائع السعودية الذي طاف أكثر من 10 مدن في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا؛ وقد عاد المعرض للرياض، وذلك قبل أن يعاود السفر مرة أخرى، وهذه المرة متوجهاً إلى اليابان. يحكي معرض روائع السعودية قصة حضارة المملكة من خلال عرض مبهر لقطع أثرية فريدة، من خلال استخدام شاشات عرض ووصف دقيق لتاريخ كل قطعة أثرية بالمعرض؛ وكذلك كان هناك عرض لاكتشافات من مقابر أثرية كاملة عثر داخلها على العديد من الحلي والمجوهرات.
ألقى الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير الرياض، الكلمة الافتتاحية، التي رحب فيها بالحضور، وعلى رعاية المملكة لكل ما يختص بقضايا التراث الحضاري. وقد تم تكريم المواطنين الذين قاموا بإعادة الآثار التي بحوزتهم إلى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. وقد تم الإعلان عن استعادة 54 ألف قطعة أثرية من داخل وخارج المملكة. وهناك مشروع هام للتسجيل الرقمي للآثار المستردة، ووضعها على خريطة رقمية وفق معايير التسجيل العالمية؛ والتي تتم بربط القطع الأثرية بالمواقع الأثرية التي تنتمي إليها. لقد كانت لفتة كريمة من الأمير سلطان بن سلمان وهو يقوم بتكريم كل مواطن تطوع من تلقاء نفسه بإعادة ما لديه من آثار.
أصبح هناك تغيير واضح في نظرة المملكة لآثار ما قبل الإسلام؛ الأمر الذي يؤكد أن الدين الإسلامي الذي خرج من أرض المملكة لم يأمر بهدم أو تشويه ما قبله من حضارات، بل الحفاظ عليها وصونها للأجيال القادمة، لكي تكون المعرفة والعلم بتاريخ البشرية. كما تم تكريم الأثريين الذين حصلوا على دورات تدريبية في مجال الحفائر والعمل الأثري. كان اللقاء مع الدكتور سعد بن عبد العزيز الراشد مستشار الرئيس للتراث؛ والعالم الأثري السعودي المعروف، ثرياً، وبمجرد الحديث معه ترى مدى عشقه لآثار المملكة، وفهمه العميق لكل ما يتعلق بها؛ ولا أذكر سؤالاً وجه إليه ولم يعطه الإجابة الوافية. بقي أن نشيد بالتنظيم الراقي لفعاليات الملتقى الذي أثنى عليه جميع الحضور، وممثلي أكثر من 30 دولة مشاركة في الملتقى.