سليم نصار

 للمرة الأولى في تاريخ الحروب تجرى محاكمة عدو مهزوم من دون أن يمثَّل بشخص واحد من قادته.

وهذا الوضع الشاذ أو الاستثنائي ينسحب على تنظيم «داعش» الذي أعلن هذا الأسبوع عن هزيمة مشروعه كل من الرؤساء: فلاديمير بوتين وحسن روحاني ورجب طيب أردوغان وبشار الأسد.

علماً أن الرئيس التركي كان من كبار الداعمين لتأسيس «الدولة» التي أعلن عنها أبو بكر البغدادي سنة 2014 فوق أرض تشكل نصف مساحة سورية وثلث مساحة العراق. ولكنه تراجع عن هذا الخيار بعدما أظهر «داعش» أنه يستند إلى سلاح الإرهاب، من أجل تحقيق حكم قمعي لا يتعامل مع الآخرين إلا بسكاكين ذبح الأعناق!

عقب سقوط مدينة البوكمال الواقعة في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، شوهد قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» الإيراني، يتجول في تلك المنطقة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن سليماني قاد العمليات ضد «داعش» في المعقل الأخير للتنظيم المتطرف. ولكنه خسر في تلك المعركة التي قادها مع قوات الأسد ومقاتلي «حزب الله» أكثر من مئة قتيل.

وهنا يبرز سؤال مهم: هل تعني خسارة «داعش» كل المدن الخاضعة لسيطرته في العراق وسورية أن هذا التنظيم انتهى إلى الأبد؟!

المراقبون في الدول الغربية يتوقعون لجوء كوادر هذا التنظيم إلى معسكرات صحراوية قريبة من حدود الدول العربية. ويعزو هؤلاء المراقبون احتمال تجديد عملياته إلى التهميش الذي تلقاه المناطق السنيّة في العراق وسورية وإلى هيمنة المنظمات والأحزاب والميليشيات الشيعية على المواقع الحيوية في الدولتين. ومن الطبيعي أن يغذي هذا التهميش المقصود روح الانتقام لدى المكونات السنيّة في العراق وسورية، خصوصاً منها التي تقف وراء تنظيم البغدادي الذي باشر حركته باحتلال مدينة الموصل في 10 حزيران (يونيو) 2014.

وإلى أن تظهر الأيام المقبلة مدى اندماج تنظيم «داعش» مع تنظيم «القاعدة»، يحاول الرئيس الروسي بوتين استغلال هذه المرحلة من أجل عقد مؤتمر خاص يمهد لوضع برنامج شامل لإعادة بناء سورية. وهكذا ظهر المؤتمر الذي عُقِد في منتجع سوتشي على البحر الأسود، كمسرحية إفتتحها بشار الأسد بحضوره المؤقت. وكان الهدف من تلك الإطلالة السريعة والمفاجئة إشعار المعارضة السورية بأن رهان موسكو سيكون منصباً على إعادة إنتاج نظام هيمن على الحكم مدة تزيد على الستين سنة.

ويرى المراقبون أن بوتين وظف تلك المناسبة لتقديم وزير دفاعه سيرغي شويغو الى بشار مع كبار الجنرالات الذين تولوا إدارة العمليات العسكرية في سورية خلال السنتين الماضيتين. وقد شكرهم الأسد على التضحيات التي قاموا بها، والتي بفضلها تم إنقاذ سورية كدولة!

وتساءلت الصحف الأميركية عن الدور المغيَّب للرئيس دونالد ترامب، وما إذا كان بوتين سيحترم بنود الاتفاق الذي وقعاه معاً في فيتنام. وقد دفعت تساؤلات التشكيك البيت الأبيض الى الكشف عن حصيلة ذلك اللقاء، خلاصتها:

«ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع في سورية، شرط أن تكون في إطار عملية جنيف، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك تغيير الدستور وإجراء انتخابات نزيهة وحرة تحت إشراف الأمم المتحدة. إضافة إلى هذا، منح حق الانتخاب لجميع السوريين بمن فيهم مَن هو موجود في الشتات».

وقد شدد الرئيس فلاديمير بوتين في مؤتمر سوتشي على استخدام اتفاقه مع ترامب لشرح تفاصيله أمام الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقال أيضاً إن الحوار الداخلي يجب أن يشمل كل المجموعات ومكونات الشعب السوري. ونوه بوتين بأن إنشاء مناطق خفض التوتر ساهم في عملية عودة اللاجئين الى مناطقهم. ثم توقف قليلاً عن الكلام ليشير إلى أردوغان، ويكمل بأن تركيا تعاني من صعوبات لا مثيل لها كدولة مستضيفة لألوف اللاجئين السوريين.

وكان من الطبيعي أن تثير هذه الإشارة الهادفة استياء الحكومتين اللبنانية والأردنية كونهما تعانيان، مادياً واجتماعياً، ويعاني لبنان من وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري. في حين يستضيف الأردن عدداً مماثلاً تقريباً. وتأسف الحكومة اللبنانية لتجاهل الأسرة الدولية مشكلة اللجوء السوري، في حين تغدق على تركيا معونات مادية ومساعدات إنسانية، تغنيها من كل عون داخلي.

ورداً على ادعاء بوتين بأن إنشاء مناطق خفض التوتر ساهم في عملية عودة اللاجئين الى مناطقهم، علق الوزير اللبناني السابق رشيد درباس بأن هذا الوصف لا ينطبق على اللاجئين السوريين في لبنان. خصوصاً أن الأسد اشترط أن يربط عملية إعادتهم بمدى تعاون الدولة اللبنانية في دعم شرعية حكمه.

من جهة ثانية، أعلن وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون بعد اجتماعه بالمبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا أن حكم أسرة الأسد في طريقه إلى النهاية، وأن تأخير السقوط مرده إلى الاختلاف حول هذه النهاية. واعترف أن روسيا تهيئ المناخ السياسي لبقاء الأسد في كرسي الرئاسة بحيث يرشح نفسه على أسس دستورية صيغت بطريقة تجرد الرئيس السوري من جميع سلطاته، ليصبح مثل ملكة بريطانيا.

وحول أسباب اهتمام بوتين بالحرب في سورية، قال سكرتيره الخاص ديمتري بيسكوف إن هذا الأمر يتعلق بحماية الأمن الوطني الروسي، خصوصاً أن عدداً كبيراً من المقاتلين جاء من الشيشان وجمهوريات شمال القوقاز، ليحارب مع «داعش». وذكر بيسكوف أن موسكو طالما أشارت إلى خطورة عودة هؤلاء المسلحين إلى أرض الوطن، واعتبرت أن التصدي لهم في سورية يعد من أولوياتها.

ولكن هذا التبرير لم يقنع إيران التي شعر رئيسها حسن روحاني بأن الرئيس بوتين سرق منه دور المنتصر، وفرض عليه التقيّد بتصرفات موسكو، الأمر الذي يحدّ من سيطرة ايران على سورية. خصوصاً أن الولايات المتحدة تلعب دور الشريك الخفي مع روسيا بغرض وقف التأثير الايراني في المنطقة.

وزاد من حدّة الاضطراب لدى الولايات المتحدة وإسرائيل نشر صور التقطتها الأقمار الصناعية تشير إلى إنشاء قاعدة عسكرية ايرانية قرب دمشق. وكانت هذه الصور مثار ضجة افتعلها خصوم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، بغرض إحراجه وزجه في عملية عسكرية يصعب التنبؤ بنتائجها.

وصادف في هذا الوقت سقوط صاروخ باليستي قرب الرياض، رأت فيه السعودية سلاحاً متطوراً يوظف في حرب اليمن بواسطة ايران وخبراء «حزب الله». وكان من نتيجة هذا الحادث أن اجتمع وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية لبحث تداعيات التطورات المستجدة وإعلان وجهة نظرهم في هذا الأمر. ونقل أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط مقررات الاجتماع فلى الرئيس ميشال عون والتي تصنف «حزب الله» منظمة إرهابية.

ورداً على هذا التصنيف، نفى أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله أي علاقة للحزب بإطلاق الصاروخ الباليستي على الرياض. وقال أيضاً إن الحزب سحب قواته من العراق عقب إعلان انتهاء الحرب ضد «داعش».

واعتُبِر هذا الكلام الهادئ مجرد تمهيد لإسعاف الرئيس ميشال عون على تخطي الأزمة الحكومية التي أثارتها استقالة سعد الحريري من الرياض.

كذلك فسرت كلمات التهدئة بأن «حزب الله» سيخفف من حملاته الإعلامية ضد السعودية في حرب اليمن، وذلك بهدف إنجاح مهمة الرئيس روحاني في مؤتمر سوتشي. وربما كان الرئيس بوتين في حاجة أيضاً إلى مساعدة السعودية على تخفيف حدة المعارضة السورية التي اجتمعت هذا الأسبوع في الرياض. كل هذه المقدمات ظهرت خلال مرحلة «التريّث» التي طلبها الرئيس عون من رئيس الحكومة سعد الحريري. ومن المتوقع أن تدخل كل هذه الحسابات في موضوع المشاورات المرتقبة بغرض إقناع الحريري بالرجوع عن استقالته مقابل انسحاب وزراء «حزب الله» من الحكومة... أو مقابل رجوع الحريري عن استقالته من دون شروط مسبقة، لأنه يعرف أن لبنان لا يحتمل حرباً أهلية أخرى!