زاهي حواس

 عشق الأوطان لا حدود له. يولد مع الإنسان وينمو معه. ولقد سافرت إلى معظم بلاد العالم، وعرفت كثيراً من البشر يعملون في وظائف مختلفة، وكل منهم يخدم بلده من خلال عمله، ويحب بلده بطريقته الخاصة. وأكتب اليوم عن السفير أحمد قطان، سفير خادم الحرمين الشريفين عميد السلك الدبلوماسي العربي. أما عن السبب الذي جعلني اليوم أكتب عنه، فهو حاجتنا الماسة إلى تقديم النماذج المشرفة في عالمنا العربي إلى شبابنا، وإلى أجيال المستقبل، فما أحوجنا إلى وجود القدوة في كل مكان وفى كل وظيفة.

السفير قطان رجل يعشق ما يقوم به من عمل لخدمة بلده الأول السعودية والثاني مصر، يعتبر نفسه دائماً في مهمة وطنية. ومعرفتي بالسفير قطان تعود إلى سنوات عمله الأولى بمصر. وكان أول ما استلفت نظري هو حسه الفني الراقي، فهو صاحب ذوق رفيع، استطاع أن يحول قصر المملكة على جزيرة الزمالك إلى تحفة معمارية، بعد أعمال ترميم معماري وترميمات دقيقة على مستوى راقٍ. هذا الحس والذوق الرفيع جعل عمله الدبلوماسي يبدو كما لو كان قائد أوركسترا. واستطاع السفير قطان أن يعبر بالعلاقات التاريخية بين المملكة ومصر إلى بر الأمان في أوقات عصيبة، ليس على البلدين الشقيقين فقط ولكن على المنطقة العربية كلها.
ويرتبط السفير أحمد قطان بعلاقات ممتازة مع كل السياسيين والمثقفين والفنانين، وعندما يدعو إلى ندوة أو إلى حفل بسفارة المملكة العربية السعودية أو بمحل إقامته، تجده عند الباب يرحب بك وكأنك ضيفه الوحيد. وأعتقد أنه موسوعة في الأدب والذوق، تجده بجانبك في المواقف الصعبة، ولا أتذكر طوال سنوات معرفتي بالسفير قطان أنه قد صدرت منه كلمة أغضبت أحداً؛ يتحدث معك في كل الموضوعات، ولا يبخل عليك بالشرح، رغم وقته المزدحم دائماً. وأهم ما يميزه أنه مستمع جيد ومتحدث لبق؛ الكلمة عنده لها وزن وحساب.
ومن أجمل ما فعله السفير قطان تشكيله لصالون ثقافي أطلق عليه اسم «رياض النيل»، يدعو إليه المثقفين لإلقاء المحاضرات في مجال تخصصهم، وأنا من الحريصين قدر المستطاع على الحضور إلى هذا الصالون الثقافي، وكان من اللقاءات التي استمتعت بها محاضرة لصديقي المفكر الكبير الدكتور مصطفى الفقي، ولقاء مع السفير عبد العزيز خوخة سفير المملكة السعودية لدى المغرب، ولقاء آخر لصديقي الشاعر فاروق جويدة. وكانت الندوة الأخيرة التي حضرتها الأسبوع الماضي للدكتور أحمد عكاشة، الذي تحدث عن الصحة النفسية للشعوب ونهضة الأمم. وكان السفير أحمد قطان يدير الحوار بين الحاضرين بشكل مثير للدهشة.
وأعتقد أن من واجبي أن أعلم القارئ عن حال سفارة المملكة العربية السعودية في مصر، وهى أكبر سفارة في مصر، التي تتحول إلى ما يشبه خلية النحل قبيل موسم الحج، ويتواصل العمل بها ليل نهار لحل مشكلات الحجاج، ليس من مصر فقط وإنما من كل الجنسيات المقيمة بمصر. وتجد السفير قطان مبتسماً دائماً لتخفيف الضغط عمن حوله، ويقوم بحل أي مشكلة على الفور. وأتعجب دائماً من سعة صدره في مواجهة المشكلات؛ هو بحق سفير فوق العادة، ومثل يحتذى به، ليس فقط في العمل الدبلوماسي وإنما في الحياة بصفة عامة. والمؤكد أن أهم وسام حصل عليه السفير أحمد قطان هو وسام حب واحترام كل المصريين.