جون جابر من نيويورك


من الصعب متابعة كل ما يحدث من طوفان الفضائح، كبيرها وصغيرها، التي تشتمل على وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر. بدءا من الجهود غير المقصودة لمساعدة الروس على تخريب الانتخابات، وحتى استغلالها من قبل المتطرفين والعاملين في أفلام الكبار، التي تتعرض دائما للمتاعب.

آخرها هو فشل موقع يوتيوب في وقف مقاطع فيديو لأطفال يجري التعليق عليها من قبل أشخاص منحرفين، في الوقت الذي يسمح فيه بظهور الإعلانات جنبا إلى جنب، مع تلك المقاطع. 

بعد مرور أشهر فحسب على مواجهة "يوتيوب" منصة الفيديو التابعة لشركة ألفابت، الأم لمحرك البحث جوجل، لمقاطعة من قبل الجهات الإعلانية بشأن مقاطع فيديو متطرفة ، اضطر الموقع إلى الاعتذار بكل تواضع، وها هي شركات مثل دياجيو ومارس تعمل مرة أخرى على إزالة الإعلانات.

ينتج عن كل فضيحة دعوات جديدة لأن يتم التعامل مع منصات الشبكات، كما لو أنها دور نشر للأخبار، مسؤولة عن كل شيء يظهر في صفحاتها. وكل دعوة ترغمها بشكل أكبر على تشديد "المقاييس المجتمعية" وتوظيف المزيد من مراقبي المحتوى. 
بحلول العام المقبل، تعتزم شركة فيسبوك توظيف 20 ألف شخص في "الأعمال المجتمعية"، شعبة الرقابة لديها.

على الرغم من أن من المغري بالنسبة للمطبوعات، التي فقدت كثيرا من إعلاناتها الرقمية بسبب عمالقة شبكة الانترنت، أن تعتقد أنه يجب أن تعامَل على أنها أنداد متساوية تماما، إلا أنها حجة معيبة: شركة فيسبوك ليست مجرد صحيفة يقرأها 2.1 مليار شخص، بل هي منصة لا يمكن إعفاؤها من المسؤولية. بل على العكس، فإن ذلك يجعل العبء الملقى على كاهلها أكبر.

هناك وسيلة أفضل للتفكير في الإعلانات السياسية الروسية، ومقاطع الفيديو المتطرفة، والأخبار المزيفة وجميع الأمور المتبقية، وهي أن نعتبر أنها مصادر تلويث للموارد العامة المشتركة، وإن كانت موارد مملوكة لجهات خاصة. 

المصطلح الذي يطلق على هذا هو مأساة الاستهلاك العام، حيث يغلب على الأنظمة البيئية المفتوحة التي يتقاسمها الناس علنا، من قبل مجتمعات بأكملها أن تتعرض للسلب والنهب.

جاريت هاردين، عالم البيئة الأمريكي والفيلسوف الذي صاغ العبارة في عام 1968، حذر من أن "المنطق الموروث للموارد المشتركة يولد المأساة دون شعور بالندم"، مضيفا بنوع من التشاؤم أن "الخراب هو المصير الذي يهرع الجميع إليه، بحيث يسعى كل فرد لتحقيق أفضل مصلحة شخصية له في المجتمع الذي يؤمن بحرية الموارد المشتركة". 

وقد كان المثال الرئيسي هو الرعي الجائر في الأراضي المشتركة، عندما تصبح أعداد الزراع والرعاة الساعين لاستخدام مورد التغذية المجانية للحيوانات مرتفعة فوق الحد. كما استشهد أيضا بالشركات التي تعمل على تلويث البيئة بمياه المجاري والمواد الكيميائية وغيرها من النفايات الأخرى، بدلا من تنظيفها من الملوثات التي تتسبب فيها. أدى الرهان على المصالح الذاتية لأن تصبح الموارد المشتركة قاحلة أو قذرة.

هنا يكمن الخطر الذي يهدد شبكات التواصل الاجتماعي، فهي تجعل من نفسها مواقع عامة، توفر إمكانية وصول مفتوحة لمئات الملايين من الناس لنشر "محتوى أوجده المستخدم" وتشارك الصور مع الآخرين. وهذا بدوره أدى إلى وجود أثر للشبكة: يحتاج الناس إلى استخدام موقع فيسبوك أو غيره من مواقع التواصل بغية التواصل.

إلا أنها في المقابل تجتذب الأطراف السيئة أيضا - أشخاص ومنظمات تستغل الموارد المتاحة مجانا لجني الأموال أو لدوافع فاسدة. وهؤلاء هم ملوثو الموارد المشتركة الرقمية ويأتي معهم الرعاة الجائرون: أشخاص مذنبون بخطايا أقل مثل الصراخ بصوت مرتفع لجلب الانتباه أو مهاجمة الأخرين.

كما ذكر هاردين، هذا أمر حتمي، حيث تعزز الموارد المشتركة الرقمية منافع مجتمعية كبيرة وتتجاوز كونها ناشرة بالمعنى التقليدي. وحقيقة أن موقع يوتيوب مفتوح ومجاني يسمح بازدهار جميع أشكال الابتكار بطرق لا تسمح بها صناعة الإنتاج الفني. المأساة هي أنه يمكن أيضا المتلاعبين ودعاة الإرهاب.
لذلك عندما ندد مارك زوكربيرج، مؤسس موقع فيسبوك، بمعمل الأخبار المزيفة الروسي قائلاً: "ما فعلوه خطأ ولن نقبل أن نمثله" – كان يبدو كأنه رئيس الشرطة في فيلم "كازابلانكا" الذي يُظهِر أنه شعر بالصدمة من ممارسة لعب القمار في الكازينو. 
مهمة زوكربيرج المتمثلة في "جمع كل الناس معا ضمن مجتمع عالمي" مهمة جديرة بالثناء، لكنها تثير المتاعب. 

كان هاردين متشائما إزاء الموارد المشتركة، حيث جادل بأنه لا يوجد أي حل فني لها، وأن العلاج الوحيد هو "الإكراه المتبادل، المتفق عليه من قبل الأغلبية". 

الحل المماثل بالنسبة إلى منصات مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب هو أن تصبح بشكل أكبر بكثير شبيهة بدور النشر، بحيث تفرض قواعد صارمة على الدخول والسلوك بدلا من الانفتاح الذي تتمتع به حاليا.
وهي تقاوم هذا جزئيا لأن من شأنه أن يجلب مسؤولية قانونية أكثر صرامة، وجزئيا لأنها ترغب في أن تبقى مثل الموارد العامة. 
في كل مرة تحصل فيها فضيحة، يتعين عليها تعزيز دفاعاتها التحريرية والاقتراب أكثر من عملية رصد المحتوى، من تلك الشاكلة التي من شأنها أن تغير من طبيعتها.

كما أن من شأنها أن تتجاوز بها الخط الفاصل إن هي قامت بمراجعة كل شيء قبل السماح بنشره، بدلا من إزالة المواد المسيئة عندما يُلفَت النظر إليها. وهي تتحدى فكرة هاردين، حيث إنها تطمح في الحصول على حل فني: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد انتهاكات حقوق التأليف والنشر وما هو أسوأ من ذلك، قبل أن يبرزها مستخدمو تلك المواقع أو أي منظمات أخرى من أجل المراجعة. 

أكثر من 75 في المائة من مقاطع الفيديو المتطرفة التي حذفها موقع يوتيوب تم التعرف عليها بواسطة الخوارزميات، في حين أن موقع فيسبوك تعثر الآن بصورة آلية على 99 في المائة من مواد داعش والقاعدة التي تباشر إزالتها. الأمر يشبه أن يكون لديك سياج آلي حول المنطقة من أجل الكشف عن الداخلين المستغلين، لفرزهم عن الداخلين الشرعيين.

لا تستطيع الآلات حل كل شيء. إذا كان بمقدورها استبعاد جميع المسيئين، فإن الموارد المشتركة سوف تتحول لتصبح شيئا آخر. صورة المجتمع الذي لا تعوقه القيود صورة مغرية، إلا أن المجتمعات المثالية دائما عرضة للخلل.
إنشرها