حسين شبكشي

 نفّذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعده الانتخابي وأعلن أن القدس عاصمة لإسرائيل، وأن بلاده سوف تقوم بنقل سفارتها من تل أبيب إليها. وهي مسألة كان يَعِد بها كل مرشح رئاسي سواء ربح أو لم يربح، الفارق الوحيد أن دونالد ترمب التزم بوعده. ولكن ما يهمني هو كيف «مهَّد» العرب لهذا القرار؟ وما الأخطاء والخطايا التي وقعوا فيها وجعلت من هذا القرار ممكناً؟

لا يوجد في العالم اليوم قضية أكثر وضوحاً من القضية الفلسطينية، ولكن القضية الفلسطينية تم اختطافها من قبل قادة عرب وغير عرب بمساعدة بعض الزعماء الفلسطينيين من مجموعات سياسية انتهازية وانتفاعية بامتياز؛ نماذج منها حافظ الأسد وابنه بشار والعقيد القذافي وصدام حسين ونظام الخميني وأتباعه. أنظمة مستبدة ومجرمة كان التاجر قبيحاً لقضية نبيلة عادلة؛ إذ سمح لهم بأن يعبثوا بالقضية ورموزها، وخُطفت «المقاومة»، وأصبحت أداة سياسية في أيدي عصابات مجرمة وإرهابية. أيضاً سمح للدين أن يكون أداة لتمزيق القضية وأداة فتنة لتمزيق الصفوف وإثارة العداء.
سلسلة من القرارات الخاطئة التي تبنتها مجموعة غير بسيطة من القيادات الفلسطينية بدءاً من دعم صدام حسين في قرار غزو الكويت وغدره بالجار، إلى قرار دعم الأسد وإيران في حروبهما على العالم العربي، إلى الاصطفاف مع قطر في مشروعها لتمزيق العالم العربي عبر جماعة الإخوان المسلمين و«حزب الله».
لا يفهم أي عاقل حالة الشارع الفلسطيني «الموجّه» برفع صور زعماء تسببوا في ضياع بلادهم وحرق صور زعماء وقفوا يدعمونهم ليلاً ونهاراً. إنه المشهد البائس يتكرر. السعودية ومصر دولتان تحملتا الكثير لأجل القضية الفلسطينية، ومع ذلك هناك خطاب عدائي شعبي متصاعد واضح... إنه موجّه ومقصود لأجل إرضاء نظام الانقلاب في قطر وجماعة الإخوان المسلمين.
مشاركة الفلسطينيين في بعض المعارك الداخلية وتحولهم إلى أدوات قتل وفتنة، مثلما حصل في الأردن ولبنان والكويت وسوريا ومصر، كلها كانت معارك خاسرة تحمّل فاتورتها كل فلسطيني شريف يدافع عن قضيته، مع عدم إغفال الثمن الكبير الذي تحمّلته القضية نتاج الخلافات البينية بين القيادات الفلسطينية وبعضها ورعايتها لمصالح خاصة وشخصية على حساب القضية الكبرى والأهم. القضية هي اختيارات القادة الفلسطينيين والسماح بأن يكونوا أدوات في أيدٍ مجرمة. كل ذلك جعل من قرار ترمب مسألة متوقعة لأن المشهد الذي حصل عبر السنوات أضعف الموقف وجعله «هشاً» رغم أنها القضية الإنسانية الأهم اليوم.
الفلسطيني تحديداً بحاجة إلى مراجعة جادة لمواقفه واختياراته السياسية، وعدم «الاستمرار» في القرارات التي كلّفته كثيراً.
القضية الفلسطينية قضية حق ولن تموت، إلا أنها بحاجة إلى أبطال مختلفين.