عبدالله بن بجاد العتيبي

 حدثان استحوذا على غالب الاهتمام الإقليمي والدولي في الأسبوعين الماضيين، تغيير علي عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق موقفه السياسي، واتجاهه لرفض الحوثيين وفض الشراكة معهم، وهو تغيير وإن ظهر بشكلٍ غير متوقعٍ فإنه يشكل منهجاً ثابتاً في تاريخ الرجل، ومن ثم اغتياله البشع من قبل ميليشيا الحوثي الإيرانية بعد إعلان موقفه الجديد، والحدث الثاني توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قرار نقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى القدس.


واقع اليمن ومستقبله سيكونان مختلفين بعد اغتيال صالح، وبعد دفع الحوثيين كل خصومهم السياسيين للتوحد ضدهم، ودفع جميع مكونات الشعب اليمني السياسية والقبلية والمناطقية للوقوف صفاً واحداً رافضاً لهم، والقضية في اليمن واضحة، هوياتياً، فاليمن عربي وأهله عربٌ ولا شأن لإيران ولا للفرس به، ودولياً، قرار الأمم المتحدة واضحٌ ومرتكزات الحل قبل عاصفة الحزم هي التي تشكل الشرعية التي يبنى عليها، وعسكرياً، التحالف العربي أو تحالف دعم الشرعية قائمٌ، والمسألة مسألة وقتٍ لتغيير كامل وشاملٍ في مراكز القوى في اليمن، واحتشاد اليمنيين أنفسهم داخل بلادهم المحررة من قيادات سياسية أو عسكرية أو رموز هو الطريق الأفضل لإيجاد حلولٍ عملية على الأرض، ومواجهة الحوثي في اليمن هي شأن يمني أصيل.
واقع القضية الفلسطينية ومستقبلها، لن يكونا أبداً بالشعارات البراقة أو بالمزايدات الآيديولوجية والفرقعات الإعلامية، ولن يؤثر فيهما قرار واحد وموقفٌ واحدٌ، إنها قضية عادلة بكل المقاييس، وطريق حلها قائمٌ، فثمة مبادرة عربية للسلام، تعبت السعودية في إنشائها وتطويرها ورعايتها، وأيدتها الدول العربية، وغالب دول العالم الإسلامي مستعدة للانتهاء من كل ذيول القضية الممتدة عقوداً في التاريخ، وقرار ترمب غير مفيدٍ في هذا السياق، لأنه ربما يضع عراقيل أمام التقدم نحو عملية السلام، وهو قرار يثير من المشكلات أكثر مما يقدم من الحلول، وقد استنكرته الدول العربية والإسلامية ومعظم دول العالم الأخرى.
كي نكون واقعيين في الحدثين والأزمتين، فإن عدونا في اليمن ليس الحوثي فقط بل المشروعان الكبيران في المنطقة؛ مشروع إيران الطائفي الإرهابي، والمشروع الأصولي الذي تدعمه إحدى الدول الإقليمية مع دولة قطر، وثالثٌ مخاصمٌ وليس عدواً، وهو لا يريد أي حلٍ حقيقي لأزمات المنطقة الساخنة ويتمثل في بعض أكبر الدول الأوروبية، ولكلٍ من الثلاثة أهدافه ومصالحه، ولكنها تدفع جميعاً باتجاه إعاقة أي حلولٍ واقعية وعملية لإنهاء الأزمة هناك، والمتابع والمراقب يستطيع أن يحصي عشرات المواقف والتوجهات التي توضح المشهد بشكلٍ أفضل.
في القضية الفلسطينية، ستقوم سوق مزايداتٍ واسعة، على المستوى السياسي، عربياً وإسلامياً ودولياً، وستقوم حالات استنكارٍ شعبية عارمة، وسيعاد إنتاج مفاهيم ومقولات لم تجدِ نفعاً بتاتاً في الماضي، بل زادت الحلول ضغثاً على إبالة، فهل هذا القرار هو أول قرارٍ منحازٍ ضد القضية الفلسطينية؟ بالطبع لا، فقد سبقته عشرات القرارات والمواقف الدولية، منذ 1948 وحتى اليوم، وكانت أفكار ومشروعات تنشد حلولاً حقيقية وواقعية ولكنها ذهبت أدراج الرياح، وتم القبول بما هو أقل منها بعد سنواتٍ طوالٍ، ويمكن هنا تذكر موقف الرئيس المصري أنور السادات في كامب ديفيد 1978، ومشروع الملك فهد الذي قدم لقمة فاس 1982، وكان أساساً لمؤتمر مدريد عام 1991. وقامت منظمة التحرير بالتوقيع على اتفاقية أوسلو 1993، ثم قام الأردن بتوقيع معاهدة عربة 1994، وقبلت منظمة التحرير بما هو أقل بكثيرٍ مما رفضته سابقاً بسبب المزايدات بأصنافها حينذاك.
في اليمن، لا يمكن للحوثي أن يحكم اليمن، ولا يمكن لعاقلٍ أن يتصور اليمن مهد العروبة محكوماً من الفرس وعملائهم الصغار، كان أحد أجل أعمال الرئيس السابق صالح طوال تاريخه أنه نزع الغطاء عن الحوثيين في آخر يومين من حياته، وكان أحد أكبر حماقاتهم أنهم قاموا بتصفيته وقتله وإعلان ذلك والتفاخر به واعتباره عملاً عظيماً، كما قال زعيم الميليشيا عبد الملك الحوثي في قناته، وبهذا جعل الحوثيون من أنفسهم عدواً للجميع، ويبقى الحل في اليمن رهن الحلول الخلاقة والقرارات الشجاعة من اليمنيين أنفسهم أولاً وقبل كل شيء ثم من حلفائهم في التحالف العربي لدعم الشرعية، القادر على إعادة الحوثيين لحجمهم الطبيعي بعيداً عن اختطاف السلطة بالقوة، ونشر الفوضى والقتل والدمار فيما بقي من مساحة صغيرة ما زالوا يستحوذون عليها من أرض اليمن.
في فلسطين، بات الخلاف شبه منحصرٍ في قضايا محددة، تقف على رأسها مسألة عودة اللاجئين والقدس، وما لم يجترح العالم حلولاً خلاقة وجديدة تنهي الأزمة بكاملها، فإن شيئا لن يحدث، بقرار ترمب أم من دونه، بل على العكس فربما كان قرار ترمب فرصة ينتظرها المتطرفون والإرهابيون لإعادة بناء قضية تجمعهم، وتشجعهم على رص الصفوف وشد عصب التنظيمات والمزايدات الجوفاء، وقد رأينا شيئاً من ذلك عبر دولٍ وجماعاتٍ ذات أهدافٍ غير بريئة، ولا تخدم القضية ولا الشعب الفلسطيني.
من يتوقف قليلاً مع التاريخ، يجد أن القضية الفلسطينية كانت على الدوام مجالاً رحباً للمزايدات، من القومية واليسارية، ثم من جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفروعها، وكل جماعات الإسلام السياسي والعنف الديني، إلى إيران وولاية الفقيه واستغلال الخميني لها باعتراف رفسنجاني نفسه، ومواصلة خامنئي على النهج نفسه، إلى تركيا وقطر، اللتين تقيمان علاقات مع إسرائيل، وتزايدان في الوقت نفسه على الجميع. الشعب الفلسطيني مغلوب على أمره، كلٌ يزايد على قضيته لأهدافٍ لا علاقة له بها، وإنما هو استغلال القضية العادلة لخدمة أجندة مختلفة.
في اليمن، التأخر أحياناً عن انتهاز اللحظات المناسبة يعقد الأمور ويؤجل الحسم، وأحسب أن اليمن أمام فرصة تاريخية للتخلص من الحوثيين إلى الأبد، فيما لو تم خوض المعركة إلى النهاية وفي كل مكانٍ يوجد فيه الحوثيون، ودفعهم بكل السبل إلى الخروج من المدن والاختباء وطلب النجاة، وذلك بالأعمال العسكرية المحكمة من الجيش الوطني وجميع القوى العسكرية العاملة على الأرض، وبالضربات الجوية التي تقصم ظهورهم وتجبرهم على الاستسلام.
أخيراً، تاريخ السعودية مع فلسطين ناصع البياض، قراراتٍ ومواقفَ، ودعماً ومساندة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وكل من يهاجم السعودية من دولٍ وتنظيماتٍ وتياراتٍ، لم يقدموا لفلسطين عشر معشار ما قدمته السعودية، والتاريخ والأرقام لا تكذب.