فضيلة الفاروق

واحد وستون عاماً عمر معرض الكتاب في بيروت، قاوم فيها المعرض كل أسباب الانكسار والتدمير التي أحاطت به، الحرب الأهلية، والحرب النفسية المعلنة على الثقافة بعد الحرب، والحرب الاقتصادية التي سلخت الناشرين والكتاب والمكتبات وكل صُنّاع الكتاب.

في طبعته الواحدة والستين لم يعد ينفع أن نجامل بيروت وندعي أنها عاصمة الكتاب العربي، أي نعم هي عاصمة تقاليد النشر بامتياز، لكن بدا ملياً أن المسؤولين عن الثقافة في بيروت مصرون على هدم هذا الصرح بأية طريقة، بدءاً بقاعة "بيال" التي تستسخف الكتاب وعشاقه كل سنة إلى أن بلغ بها الأمر أن تتزين بالسواد هذه السنة وكأنّها حسينية ينقصها اللطم والبكاء، بإضاءة تعيسة، بموقف سيارات يتعامل مع الوافدين وكأنه يتعامل مع قطيع من البقر، لدرجة أن أناساً كثر توقفوا عن زيارة المعرض منذ اليوم الأول خاصة أن سعر بطاقة الموقف تعادل تقريباً ثلاثة دولارات، وهو مبلغ كبير لأغلب الزوار...

حتى الكافتيريا بائسة، تغطيها غيوم المدخنين في لامبالاة قاتلة، مع ملاحظة أن منع التدخين فيها لم يجد نفعاً في السنوات السابقة، فتخلت إدارة الكافتيريا عن تنبيه الناس لذلك، مع ملاحظة أخرى وهي أن زائر معرض الكتاب الفرنسي الذي يقام في نفس المكان ينقلنا لأجواء أكثر نظافة ولطفاً وثقافة من جميع الجهات.

ما الذي حدث إذاً؟ مسؤولية من هذه الفوضى والبؤس الذي بصم معرض الكتاب العربي في بيروت؟ إن كانت مسؤولية النادي الثقافي العربي فعليه أن يدرس موضوع إحداث تغييرات جذرية لتنظيمه في السنة المقبلة، وإنقاذه من الموت المحتم، وإن كان مسؤولية الوزارة "الغائبة" هذه السنة بكل معنى الكلمة، فعلى النادي على الأقل أن يتحمّل مسؤوليته لوحده، ويبحث عن ممولين لمشروع إقامته واقتراح أفكار جديدة لإحياء دور بيروت الريادي في المنطقة، على الأقل للاحتفاء ببقائها واقفة رغم كل الظروف الصعبة التي ابتليت بها.

يستحيل مثلاً أن يقوم العراق بمبادرة عظيمة تجاه معرض بيروت، فيرسل أكثر من مئة وعشرين كاتباً ومثقفاً لزيارة المعرض، ولا من يحتفي بهم، ولا من يشيد بهذا الدور، ولا هم يحزنون.

لا أدري كيف يمر حدث كهذا مرور الكرام على مسؤولي الثقافة في لبنان، لكني أدري أن المعرض كان مناسبة حزينة تراجع فيها عدد المشاركين والزوار، إذ حضرت خمس دول عربية فقط باحتشام، وحضرت دول أخرى لمجرد إقامة كرنفالاتها خارج إطار الكتاب...

غير ذلك يبقى الكلام عالقاً في الحلق لمرارته، فالمعرض يعاني من أعراض شيخوخة، وما يحتاجه ليس عملية تجميل سريعة بل دماء جديدة تبث فيه الحياة.