أحمد الحناكي 

تاريخياً، هناك تشابه بين الحياة الاجتماعية في إيران وتركيا، وكلا البلدين فيهما أغلبية إسلامية ومتجاورين ومتداخلين، ناهيك أن الظروف التي مرت بهما ما قبل الثورة الإيرانية في 1979 كانت متشابهة، إذ الحكم العسكري هو الطاغي تقريباً.

في العالم العربي تلحظ، بعيداً عن النفوذ العسكري، أن هناك شعبية لا بأس بها للأتراك، وبالذات في دول الخليج، ولو سألت عن المبرر ستصيبك «الحيرة»، فإن كان السبب هو كونها دولة ذات أغلبية إسلامية فهي بهذا لا تتميز عن الدول العربية بشكل عام، والذين يملكون فضلاً عن ذلك عامل اللغة، أما كونها خارج منظومة الدول العربية فهناك دول إسلامية كبرى من خارج السرب العربي كماليزيا وإندونيسيا وباكستان وأفغانستان.

ربما يتحدث البعض عن الحنين للخلافة الإسلامية في تركيا، ولكن هذا العامل لم يحدث إلا في الفترة الأخيرة، لماذا يا ترى؟ السبب معروف وهو الطيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي بزغ من خلاله.

تخيل أنك تسأل أحد المفتونين بأردوغان، عن سبب تفضيله لتركيا؛ لحار في الإجابة، فإن قال إن تركيا تقود العالم الإسلامي فهو كاذب، لأن تركيا نفسها دولة علمانية ذات دستور علماني، وبالتالي يقودون ماذا؟ سيبحث عن سبب آخر ويقول إن تركيا تقف موقفاً صلباً ضد العدو المحتل، وهو تبرير ساذج، فعلاقة البلدين ببعضهما إجمالاً أكثر من جيدة. إذن، من الواضح أن الإعجاب هو في شخص أردوغان والحزب الذي نشأ منه، ولو كان الرئيس مثلاً غير مسلم أو غير ملتزم دينياً على المستوى الشخصي كما قبل أردوغان لتلاشى هذا الإعجاب. باختصار هوس بشخصيته وهو ما يتناقض والإسلام الذي لا يقدس الأشخاص.

في تركيا، قبل أردوغان ومع أردوغان، لا تختلف الحياة الاجتماعية والقوانين عن أي بلد أوروبي، ويعيش المسلمون كما أي ديانة أخرى بحريتهم التي كفلها الدستور.. وفي تركيا، قبل أردوغان ومع أردوغان، تنتشر بيوت البغاء بشكل رسمي، بل إن تركيا من أشهر دول العالم التي تشتهر بذلك، يقول سيف الدين يلماز وهو أحد نواب حزب الحركة القومية عن مدينة أضنة (جنوب تركيا): «إن عدد النساء اللاتي يمارسن الدعارة شهد زيادة مذهلة بمئات المرات خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية المستمرة منذ 13 عاماً. تمارس الدعارة في تركيا بشكل قانوني، وفقاً للمادة 227 من قانون رقم 5237، والذي يبيح مزاولة المهنة وفتح بيوت الدعارة، وذلك على رغم أنها بلد إسلامي، وعلى رغم تسلم حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية مقاليد الحكم (أحوال التركية)».

كل الأيديولوجيات الدينية السياسية تقود العالم للحروب والدمار والإرهاب، بينما العلمانية لا تجبر المرء على خياراته الدينية. بمعنى، لو كانت تركيا هي الآن التي تتمركز بأربعة دول عربية لتغنى بها الإسلاميون غبطة وسعادة، ويا للأسف.

في الأخير، كل الجدل الذي يدور حول تركيا على رغم تأثيره في منطقتنا، إلا أننا بذلك نتعامى عن الخطر الحقيقي وهو الكيان المحتل الذي يقهقه من هذه الصراعات، بل ويغذيها عندما يتطلب الأمر أو حتى لا يتطلب، ويا ليتنا بدلاً من خلافاتنا العربية - العربية نؤجل ما صغر منها وما كبر، ونتحد ولو موقتاً ضد أي عدو خارج عالمنا العربي، وبالذات المحتل الثابت الذي لا يزال يحتل فلسطين وجزءاً من الأراضي العربية، ويعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في كل الدول العربية التي يتشارك معها بالحدود، ولن تستقر لبنان أو سورية أو مصر أو الأردن بوجود هذا الخطر الأكبر.