مأمون فندي

 إذا كانت أميركا قد فشلت في الشرق الأوسط تحت قيادات ذات خبرات سياسية عالية في الإدارة السابقة بالتحديد، فلماذا يتوقع الكثيرون من الإدارة الأميركية الحالية في البيت الأبيض أن تكون أفضل حالاً، أو أن تكون السياسة الأميركية في عهدها أكثر رشداً وعقلانية؟


الناظر إلى خريطة الدم أو لوحة الأزمات في الشرق الأوسط يدرك ببساطة أن القوة العظمى الوحيدة في العالم ليس لديها المفتاح السحري لحل المشكلات من ليبيا إلى سوريا إلى اليمن والعراق، وأزمات كثير من الدول التي تتحرك على رمال السياسة المضطربة. وأن المشكلات المحلية لا يحلها إلا القادة المحليون أنفسهم، وهذا هو التحدي وليس الإدارة الأميركية ومدى نجاحها أو فشلها، المفتاح هنا وليس في واشنطن.
أدوات الدول العظمى بداية ليست مجهزة للحروب الصغيرة؛ فالولايات المتحدة الأميركية تستطيع أن تكسب حرباً كونية أو عالمية، ولكنها لا تنجح في الصومال ويجد جنودها صعوبة على الأرض، ليست لأنها دولة ضعيفة، ولكن لأن المشكلة صغيرة ولا تليق بتجهيزات دولة عظمى.
إذا ما أخذنا المشكلات المحلية في منطقتنا ووضعناها تحدياً أمام الإدارة الأميركية واحدة واحدة ندرك مدى المشكلات التي ستواجهها هذه الإدارة، والذي لا يقل عن معاناة سابقتها.
ففي اليمن ترى ماذا ستفعل الإدارة الأميركية هناك سوى أن تدك القاعدة، وهذا ما تفعله بين الحين والآخر، لكن الولايات المتحدة الأميركية يبدو أنها لا تريد أن ترسل قواتها خارج حدودها كما كانت تفعل ذلك في الماضي.
أما سوريا، فهي كارثة إنسانية في سياق حرب أهلية، ورغم أن الولايات المتحدة الاميركية مجهزة للتعامل مع الكوارث الإنسانية، إلا أن الحرب في سوريا وتعدد الطرائف في تلك البلد والحرب القائمة بين النظام السوري ومعارضيه، كل ذلك يجعل الأميركيين يترددون كثيراً في إرسال قوات لترجيح كفة المعركة لصالح النظام أو المعارضة. ورغم الوجود الروسي في سوريا، فهي ليست أفغانستان السبعينات التي كانت وقعت في سياق الحرب الباردة؛ ولذلك كان هناك تدخل أميركي مباشر، أما في سوريا فلا يوجد سياق عالمي حاكم للأزمة إلا في إطار المساومة بين روسيا والغرب في معادلة سوريا مقابل أوكرانيا. غير ذلك، فإن سوريا لا تعني الكثير للإدارة الأميركية الحالية. قد تعني الكثير في سياق الحرب على الإرهاب، ولكنها تشترك في هذا مع كل دول المنطقة تقريباً. فما الجديد هنا، وما الذي يدفع الإدارة الأميركية إلى التدخل؟ مفتاح سوريا في منطقتنا وليس في واشنطن أو موسكو.
أما ليبيا، فتلك دولة لا يمكن إعادتها إلى حالتها الأولى؛ فهي مجموعة مناطق جغرافية متباعدة في مساحة شاسعة، وهي دولة يصعب حكمها في ظل الظروف الراهنة مهما كان الاستثمار في الجنرال حفتر وجيشه. نعم، هناك بترول في ليبيا، ولكن أميركا لم تعد كما العهد السابق في الحاجة إلى بترول المنطقة، ومن قرأ قريباً عن اكتشاف أكبر حقل في العالم بالقرب من ألاسكا يدرك أن ترمب لا يهتم كثيراً بالبترول. كما أن وزير خارجيته ريكس تيلرسون هو من أهم خبراء البترول في عالم اليوم، ويعي القيمة النسبية لبترول ليبيا، مقارنة بالدول الأخرى الكثيرة المنتجة للنفط.
أما العراق، فهي ستبقى على حالها، فمنذ 2003 حتى الآن لم نر استقراراً في العراق، وقد يستمر عدم الاستقرار لجيلين مقبلين، فما الذي يجعل الإدارة الأميركية أن تتدخل في عراق أثبتت أميركا فشلها فيه رغم تغيير القادة؟!
لم أتحدث بعد عن دولة مثل إيران في طريقها للفشل بعد تمددها خارج حدود قوتها، ولكن تدخلات إيران في الخارج حتماً تزيد من التوتر الداخلي، وفي أي لحظة يمكننا أن نشهد الإيرانيين في الشوارع، كما رأيناهم في مصر وبعض دول الربيع العربي.
كل خريطة الفشل هذه تجعلنا نأخذ منظوراً مختلفاً، وهو وضع كاهل المشكلة برمتها تحت أقدام القادة المحليين فلا سحر هناك؛ فالمعادلة هي ولا تزال تدخل إيران في العالم العربي بشكل سافر. فلماذا يتوقع العرب أن تكون الإدارة الأميركية أكثر حصافة من سابقاتها في كل هذه المشكلات المعقدة؟!
صحيح أن الأميركين يمن أن يساعدونا على حلول أزمات منطقتنا؛ لكن لا بد أن نأخذ زمام المبادرة بأنفسنا، ولذا بات لزاماً على القادة المحليين أن يفرضوا أنفسهم على أنهم قادرون على حل مشكل منطقتهم بأنفسهم. الحل أو المفتاح ليس في واشنطن، وإنما عندنا نحن وفي منطقتنا.. . . .