سابين عويس

لم يركب رئيس الحكومة سعد الحريري القطار فحسب، كما جاء في رده العنيف أول من أمس على رسالة الرؤساء السابقين إلى القمة العربية، والذي قال فيه "من يريد ان يركب القطار أهلاً وسهلا به ومن لا يريد يبقى في الخلف"، كاشفاً ان المشكلة تكمن في أن البعض لا يصدق"، بل هو ركب الطائرة الملكية الخاصة بالعاهل السعودي الملك سلمان في طريق العودة من البحر الميت إلى الرياض، في زيارة هي الاولى بعد فترة انقطاع منذ تولي الحريري رئاسة الحكومة.

هو إذا قطار التسوية الذي فات بعض الداخل ركوبه، أو حتى تلبية دعوة الحريري إلى ركوبه، ولو متأخرا!
ففي حين وُضعت رسالة الرؤساء السابقين إلى القمة- بقطع النظر عن تقويم ردود الفعل التي أحاطتها- في خانة إيحاء سعودي، إذ جاءت غداة جولة للقائم بالاعمال السعودي على عدد من الشخصيات السنية في طرابلس، بما فُسر في أوساطها على أنها كسر للحصرية الحريرية في الزعامة السنية، جاءت مرافقة الحريري للملك سلمان أمس لتدحض نظرية المقاطعة السعودية للحريري، من دون أن تلغي انفتاح المملكة على شخصيات سنية أخرى.
وكانت أوساط سنية متشددة رأت في المواقف الاخيرة للحريري، الداعمة والمتعاطفة إلى حد الذوبان مع رئيس الجمهورية، تنازلا أو تراجعا عن الثوابت الاساسية، ولا سيما في مسألتي إيران وسلاح "حزب الله"، بحيث قرأت في مرافقته عون إلى القمة العربية تسليما بموقف الاخير الداعم للسلاح، والذي كان سبق أن أعلنه في حديث تلفزيوني، مبدية تخوفها من أن ينعكس ذلك على الموقف العربي من لبنان، ولا سيما أن ثمة سوابق سجلتها القمة العربية السابقة في نواكشوط، حيث تعرض لبنان لضغط سياسي عربي على بندي وصف "حزب الله" بالارهابي، وإدانة التدخلات الايرانية في المنطقة العربية.
جاءت رسالة الرؤساء السابقين لتؤجج هذه المخاوف، إذ عمدت إلى خطوة استباقية أرادت منها احتواء أي موقف مماثل من سلاح الحزب، يمكن أن يصدر عن رئيس الجمهورية، وهي بذلك تسعى إلى إبراز التباين الداخلي حيال هذه المسألة، كما تكشف أوساط قريبة من أحد المراجع المشاركة في التوقيع.
لكن ما فات الرؤساء السابقين أن مخاوفهم لم تكن في محلها ولم تكن تستدعي تلك الخطوة الاستباقية.
فالمطلعون على مضمون كلمة الرئيس الى القمة من القريبين منه، كانوا أكدوا قبيل التوجه الى البحر الميت، أن عون لن يخرج في كلمته عن سقف التهدئة المطلوب عربيا، وأن لبنان سيحظى في المقابل بالدعم العربي مع البنود المتصلة بالتضامن العربي معه و"الترحيب بانتخاب رئيس للجمهورية وبتشكيل حكومة وحدة وطنية وتجديد التضامن الكامل مع لبنان وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له ولحكومته ولكل مؤسساته الدستورية، بما يحفظ الوحدة الوطنية وأمن لبنان واستقراره وسيادته على كامل أراضيه، وتأكيد حق اللبنانيين في تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة، وتأكيد أهمية التفريق بين الارهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الاسرائيلي، والتي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي، وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً، ودعم موقف لبنان في مطالبته المجتمع الدولي بتنفيذ القرار الدولي 1701، فضلا عن الإشادة بالدور الوطني الذي يقوم به الجيش والقوى الامنية اللبنانية في صون الاستقرار والسلم الأهلي، ودعم الجهود المبذولة من أجل بسط سيادة الدولة اللبنانية حتى الحدود المعترف بها دولياً، وتثمين التضحيات التي يقدمها الجيش في مكافحة الإرهاب ومواجهة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية".
وهذه البنود مماثلة لما اعتادت البيانات الختامية للقمم العربية أن تدرجه، ولوحظ أنها استندت هذه المرة إلى خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة. وفي هذا دلالات مهمة في رأي مصادر سياسية، إذ هي تصب في مناخ التهدئة العام الذي ساد أعمال القمة.
فإلى جانب رغبة القادة العرب في إنجاح أعمال القمة والخروج بموقف عربي موحد لمواجهة التدخل الإيراني في المنطقة، بدا لافتا أن هذه القمة توخّت السقوف الهادئة. وانعكس مناخ التهدئة بدءا من كلمات القادة التي نأت عن تسمية نظام الاسد في مقاربتها للحرب السورية، كما نأت عن بند إدانة "حزب الله" ووصفه بالارهابي على غرار قمة نواكشوط العام الماضي، فيما لوحظ غياب أي رد فعل على رسالة الرؤساء السابقين الى القمة.
هو إذا القطار عينه ربما الذي ركبه الحريري، في انتظار ما ستسفر عنه بنود التسوية من مفاجآت بعد.