سارة مطر 

لا يمكن أن تكون وحدك أيها الشعب العربي الذي تحمل صفة شعب الله المختار، إننا جميعا نعيش على الكوكب ذاته، وما لا ترضاه على نفسك يجب عليك ألا ترتضيه على الآخرين

أكثر ما كان يجذبنا تجاه جمهورية مصر العربية، هو شعور مواطنيها الدائم بالحب لوطنهم، لديهم غريزة فطرية من الحب العظيم تجاه وطنهم، لا يمكن أن تجد مصريا من الممكن أن يتمادى معك فيما لو قمت بشتم بلاده، مصر رائدة في كل شيء، هي منصة الربان، بلد عظيم وكل ما فيها من حضارة وتاريخ وأدب وفن، يجعل هذا الوطن يتعاظم شأنه في داخلك، كما أن المصريين يرفضون أي كلمة تصف حالهم بالمزري، ويقفون ضد الاختلاف معهم، إذا ما كان وطنهم طرفا في القضية، يبيحون لأنفسهم شتم حكوماتهم وما يحدث من خطايا، لكنهم على استعداد أن يقوموا بتقطيعك «حتة.. حتة»، إذا ما فتحت فمك لتتشارك معهم الصور الخارجية التي يحفل بها وطنهم، تجدهم متطابقين تماما إذا ما أحسوا أن هناك هجوما على وطنهم، تقريبا ستقرأ العبارات نفسها والشتائم نفسها، وستشتم رائحة الأدخنة المتصاعدة من قلوبهم، وعليك ألا تذهل مما ستراه أو ستقرؤه في الدفاع عن ملكية مشاعرهم تجاه مصرهم، وأنا لا ألومهم ولكني ألوم تلك الرغبة الجامحة لديهم في الانتصار الزائف دوما تجاه بلادهم، في حين أنه من الواجب عليك أن تتقبل كل ما سيأتي منهم، وعليك أن تخرس لسانك وأن تبتلع الشتائم دفعة واحدة، إذ إنهم يرفضون فكرة الاختلاف بشكل كامل، ولا يريدون منك إلا أن تخضع لسياط ألسنتهم.
في أكثر من مرة، كنت طرفا بعيدا أشاهد التهكّمات والصراخ السلطوي، والبلاغة العظيمة والمتخصصة في عبارات الشتم والردح، بين عدد من المواطنين المصريين الذين يعتقدون أنهم وحدهم من يمتلكون الكرامة، ضد أي مواطن خليجي أو عربي، يشعر في داخله على الدوام أن الجميع استفادوا من خيرات مصر بأي شكل كان، وكأن المواطن المصري الذي جاء ليعمل في ليبيا أو الكويت لم يتسلّم أجرا على أدائه أعماله، وهذه مشكلة حقيقية يتسم بها معظم المواطنين المصريين.
ونأتي اليوم على مشهد آخر حدث قبيل أيام، حينما تصدرت المذيعة المصرية رنا هويدي معظم قنوات التواصل الاجتماعي، بسبب تغريداتها المسيئة ضد المملكة وضد الشعب أيضا، بل والمؤسف حقا أن المذيعة سبق أن شتمت المحطة التي تعمل فيها حاليا. 
رنا التي ظنت أن تغريداتها القديمة، والتي دونتها عام 2013، لن تجد من يهتم بها، وهذه أيضا سقطة أخرى لبعض الإعلاميين والمثقفين العرب الذين يعتقدون أننا بدو الصحراء، وأننا ما زلنا قابعين في الخيام، بينما البترول ينهمر في الأنابيب الواقعة خلفنا، صورة نمطية غبية في إدراكهم. 

إن الشعب الخليجي شعب متفتح وذكي ومخترع و«باشمهندس» وعالم وطبيب ومثقف وواع أيضا، الصورة الجديدة رغم الانفتاح التقني المبهر، لم تجعلهم على إدراك أن العالم اليوم تغيّر، ليس فقط في مدغشقر وإنما في الخليج أيضا. 
لذا، فـ«رنا هويدي» لم تهتم أبدا أن تقرأ وتشاهد بأم عينيها البطولات الخليجية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وحينما طلّت على أهم قناة في الشرق الأوسط، وهي قناة MBC مصر، والتي تعد من أكثر القنوات مشاهدة من المصريين، نسيت أن تلغي التغريدات التي كتبتها قبيل أعوام، على اعتبار أن الخليجيين شعب مغفل، أحمق، ما يزال يركب الدابة حتى يصل إلى مقر عمله، لكن ما حدث لـ«رنا» حينما فتش بعض المتابعين حسابها وتصوير تغريداتها المسيئة، والمطالبة بالتحقيق معها وإقالتها، أظن أن هذا الأمر بكل جرأته ومدى تفاعل المتابعين في «تويتر»، جعل هويدي في موقف صعب للغاية، وأول ما بدأت به بدلا من الإقرار بشجاعة بأنها من دونت التغريدات، قالت: إن حسابها سبق لهُ أن اُختُرق من «الهاكرز»، وبالتأكيد لم يصدق أحد كذبات هويدي، لأنها عقب هذه الشوشرة والبلبة قامت بإلغاء حسابها في «تويتر» بالكامل.
الشعوب العربية بأكملها عليها أن تعلم، أنهم ليسوا الوحيدين الذين يمتلكون السلطة الصوتية، وأنهم أيضا ليسوا الوحيدين الذي يذوبون عشقا في حب أوطانهم، وأن عليهم أن يتقبلوا الهجوم مثلما هو يقبل على نفسه الردح والشماتة في بقية الشعوب، لا يمكن أن تكون وحدك أيها الشعب العربي الذي تحمل صفة شعب الله المختار. إننا جميعا نعيش على الكوكب ذاته، وما لا ترضاه على نفسك يجب عليك ألا ترتضيه على الآخرين، ولو عكسنا المشهد اليوم، ووجدنا أن هناك إعلاميا خليجيا شتم بلدا عربيا آخر، وأهان شعبها، وظهر ليعمل في إحدى قنواتها الفضائية، فلن يقبل المواطن العربي ما يحدث. 
لهذا، لا تتعجب عزيزي المواطن العربي مما حدث خلال الأيام الماضية ضد رنا هويدي، فأيضا نحن لدينا كرامة ولا نقبل من يعمل في قناة ملاكها سعوديون، أن يحتفوا بوجود إعلامية سبق أن شتمت السعودية بأقذع الألفاظ البذيئة، وهذا درس لجميع الإعلاميين والمثقفين والفنانين الذين يريدون أن يعيشوا بسلام ومواطنة بيننا وبينهم. 
وأيضا، درس آخر لأجهزة الإعلام الخليجية، أن عليها ألا تبث أي أعمال لمن ثبت عليهم جُرم القذف والقذع، سواء لحكام الخليج أو لشعبه.