محمد الساعد

يقول الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي في قصيدة شهيرة له..

«أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا.. وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ».

هذا هو حال مجموعة قنوات «إم بي سي»، فهي «شاعرة» الدنيا، ومالئة حياتنا ترفيها وفنونا، ولولاها لبقينا مجرد عالة على الإعلام العربي، مختطفين لأيديولوجيات عزمي بشارة، وفي مرمى القومجيين واضطهادهم، ونظرتهم الاستعلائية.

إنها واحدة من أكثر المؤسسات جدلا وتعرضا للمديح والذم، منذ إنشائها وحتى اليوم، ومع ذلك يزداد الإقبال عليها، وتشاهد بكثافة عالية، وتحقق أرباحا خيالية، لتصبح واحدة من أكبر المؤسسات في صناعة المحتوى الترفيهي، وأغناها حول العالم.

لنتعرف أكثر على تاريخ نشأة «إم بي سي»، وتحولها من فكرة «مجنونة» انطلقت منتصف الثمانينات، إلى واحدة من أغلى العلامات التجارية في الأسواق.

دارت الفكرة بين أربعة أشخاص ملهمين، ومهمين في صناعة الإعلام، في تلك الفترة العصيبة من التاريخ، كانت السعودية تواجه حرب أفغانستان، وحرب إيران ضد العراق، والآثار الجانبية لاحتلال جهيمان للحرم، وتبني الحركيين لأجندته في الشارع المحلي.

حاولت المملكة تقديم نفسها للعالم الخارجي، ليس كبئر نفط، بل كصانعة للتمدن والإعلام والفنون، وقادرة على منافسة مراكزها الكبرى، في القاهرة وبيروت، وبالطبع عواصم المهجر باريس ولندن.

استمر الحلم طويلا، من أجل إطلاق قنوات عربية بنكهة محلية، حتى أطلت «إم بي سي»، من العاصمة البريطانية في 18 سبتمبر 1991، بالطبع ضمت المغامرين، من جهة، وشركة «آرا» من جهة أخرى.

واجهت «إم بي سي»، منذ بزوغ فجرها، حروبا متنوعة، وبالأخص من الجسم الصحوي، الذي غالى في عداوتها، بلا سبب جوهري، سوى محاولة السيطرة عليها، وضمها لجناحه.

أفتوا بحرمتها، ووجهوا كل أدبياتهم لوأدها في مهدها، حتى وصل بهم الأمر لاتهام متابعيها بالدياثة، لم تعش «إم بي سي»، هدنة مع الحركيين، استمرت لسنوات قليلة، إلا بعد استضافتها لبرنامج حجر الزاوية، لتعود الحروب كأشرس مما قبل إلغائه.

لعل أخطر ما تتعرض له «إم بي سي»، هي الحروب المختلطة، التي يمثلها خصوم متنوعون، قد يتفقون، وقد يختلفون، يجتمعون على المماحكات السياسية، والابتزاز الآيدلوجي، إلا أن أضرارهم، هو ما يقوم به «الإخوان المسلمون»، نيابة عن دويلات صغيرة الحجم، شديدة السمية.

بالطبع الهدف المشترك، هو تجريد المملكة، من أحد أكبر المكتسبات الإعلامية، وإبقاؤها عارية في مواجهة إعلام «عزمي بشارة»، واختطاف الشارع السعودي لجانبهم.

كأي مؤسسة عملاقة، ومن المتفهم أن يكون لديها أخطاء عمل، سواء في المحتوى، أو في الضيوف، أو في موظفيها، ومن المهم معالجة الأخطاء وتلافيها، ووضع الضوابط لعدم تكرارها.

إم بي سي ليست الوحيدة العاملة في السوق فقنوات «بين»، القطرية المولودة من رحم الجزيرة، تقدم باقة من القنوات المنوعة الموجهة للأسرة العربية، تبث محتوى غير منضبط مليء بالمخالفات، لا يمكن أن تجاريه إم بي سي.

لا شك أن النقد وتقويم الأخطاء، حق أصيل، والمشاهدة والمتابعة، حق أصيل هي الأخرى، لكن أن نهدم «إم بي سي» بالكامل، من أجل عيون «الحركيين»، وإرضاء لغرور إعلام بشارة، فهو كمن يخرق عينيه، ويقطع لسانه ويديه، في وسط معركة حياة أو موت، مع عدو غادر، لا قيم لديه، استجلب كل الوضيعين في العالم ووظفهم في إعلامه لهدم السعودية.