يعقوب الشراح

عندما حدث العدوان العراقي على البلاد في العام 1990، قيل وقتها إننا لا نمتلك فكراً استراتيجياً للأمن، ولمنظومة الدفاع، فقد كان الاحتلال سهلاً على المعتدي، تمكن في أيام معدودة من احتلال كل البلد من دون أن يكون لدى المواطن والمقيم أدنى فكرة عن توقعات الاحتلال. فلقد جاء الاحتلال بسرعة البرق بعد دخول آلاف الدبابات والأسلحة والعساكر جعلت المواطنين والمقيمين في حالة فوضى عارمة، وأزمة طاحنة.

الآن، وبعد مرور 26 عاماً على الغزو العراقي، يتساءل الناس ما إذا كان لدينا فكر استراتيجي للدفاع عن الوطن في حال حدوث عدوان آخر، لا سمح الله؟ فالظروف الحالية المحيطة بالدولة أكثر تعقيداً أو تهديداً مما كان في فترة الاحتلال العراقي للبلاد، خصوصاً وأن الحروب ما زالت تدور في العراق وسورية واليمن، والعمليات الإرهابية في غاية النشاط، والتهديدات الموجهة للكويت واضحة يصرح بها الإرهابيون، مثلما يصرح بها مسؤولو الدول، من أن الكويت ستكون بعد الانتهاء من الحرب في العراق وسورية نقطة الانطلاق إلى زعزعة أمن الخليج وإشغاله بالحروب والفتن الداخلية.

الكثير كتب عن العوامل المؤدية إلى زعزعة أمن دول مجلس التعاون الخليجي والتي ستشكل بداية لحروب قادمة. فمن هذه العوامل الثروات الطبيعية المتمثلة في النفط، والخلل في التركيبة السكانية حيث الوافدين يعادلون أضعاف السكان الأصليين، والواقع الجغرافي المحدود لكل دول المجلس، عدا السعودية وعُمان، حيث يجعل أكثرية دول المجلس لا تشكل ثقلاً عسكرياً وسياسياً قوياً قادراً على الدفاع والصمود لفترة طويلة. فرغم ما تمتلكه دول المجلس من أسلحة حديثة، إلا أن ذلك لن يكون مفيداً لحصيلة الرصد الكمي من أجل التعرف على محصلة القوة الحقيقية لدول المجلس، ومدى الفاعلية في مواجهة العدوان أو ردعه في عملية استباقية أو قدرة على المواصلة.

يشير الواقع العسكري لشراء الأسلحة، إلى ان دول المجلس من أكثر الدول انفاقاً على شراء السلاح، لكن ذلك لا يمنع كونها الطرف الأضعف في تحقيق التكامل والتنسيق العسكري الجماعي المبني على تحالف خليجي رادع وصلب في إطار منظومة كاملة. إن التكامل والتحالف العسكري المنظم له أهمية قصوى ليس فقط في مواجهة أي تهديد، وإنما كذلك في تجنب التفكير في العدوان الخارجي واحتمالات نشوئه متى ما توافرت الأسباب والظروف.

هناك صعوبات تستدعي الاهتمام، منها الخلل في فهم العلاقة بين الدولة والفرد، ومسؤوليات الفرد وواجباته تجاه الحفاظ على الدولة. فما زال الصراع يدور بين الأفراد لدوافع طائفية، وضعف في التماسك الاجتماعي والسياسي، ووجود ولاءات ضعيفة هدفها الاستفادة الريعية المبنية على المنفعة الخاصة والنفوذ، والفساد.

لذلك يتحتم من استقراء الحقائق أن تسعى دول المجلس إلى حل كل ما يعرقل هدفها الاستراتيجي، وهو بناء القوة والتحالف مع الأقوياء للحفاظ على وجودها أمام التهديدات المتفاقمة. فالانتظار لمعرفة نتائج الحرب في العراق وسورية، والتحولات السياسية في الجوار لن يكون مفيداً، خصوصاً وأن احتمال انخراط المنطقة في حرب نتيجة لأحداث إقليمية مفاجئة، أو بدافع الرغبة في إحداث تغييرات حادة في المشهد الداخلي لدول المجلس لن يكون مستبعداً أمام الصراع الأيديولوجي والمذهبي المستمر.