علي سعد الموسى 

لا أعتقد أن الوقور الهادئ الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض سيخرج عن دائرة الهدوء التي اعتدناها منه ثم يقوم بلوم وعتب شخص أو اثنين في حفل جامعة شقراء ما قبل الأمس. أنا متأكد تماماً أنه لاحظ أمامه على المسرح ظاهرة عامة، ويؤسفني بمكان أننا نتحدث عن جامعة. والقصة لمن لم تمر عليه، أن أمير الرياض في حفل جامعة شقراء لاحظ بعض الحضور الذين لم يقوموا لتحية الوطن، حيث الوطن أكبر وأغلى من مجرد سلام أو علم. وعلى الأقل، كان على هؤلاء أن يقفوا لاحترام مقام الأمير الخلوق الذي كان واقفاً أمامهم على المسرح.
القصة أبعد من هذا الموقف بكثير. ما هي التربية الفكرية التي تغذى عليها هؤلاء إلى الحد الذي فقدوا معه أبسط قواعد الأدب واللياقة في احترام وطن؟ انظروا إلى الصورة المقابلة: لم يكد «فيديو» أمير الرياض ما قبل الأمس يأخذ طريقه بكثافة عبر وسائط الاتصال المختلفة إلا وتواتر كشف المستور. في شقراء نفسها شارعان يرتفعان عالياً بلوحتين باسمي حسن البنا وسيد قطب، وعلى التوالي في أحياء الوشم والنسيم إذا ما أراد رئيس البلدية الموقر أن ينكر وجودهما أو يستنكر. وأنا هنا لن أقول أبداً أن مدينة شقراء بهذه الاختبارات الفجة الصارخة ضد المشروع الوطني في السلفية والاعتدال تقف وحدها من بين كل مدن المملكة. البنا أو سيد قطب كانا أبرز مشاريع الاحتلال الفكري الذي أدخل إلى أدمغتنا وعشعش في مدارسنا وجامعاتنا ومنابرنا قبل أن يكون «الاثنان» مجرد اسمي شارعين في قلب مدينة أبرزت لنا كثيراً من رجالات العلم ورموز الدولة منذ يوم الوحدة السعودية الأول حتى هذه اللحظة. 
القصة برمتها أكبر من مجرد لوحة أو اسم لشارع. القصة هي في هذه التبعية السافرة بكل هذا القبح، وكأننا شعب طارئ بلا تاريخ أو رموز. اذهبوا إلى شوارعهم في عقر ديارهم في كل مكان ثم ابحثوا لي عن أسماء علمائنا التي لم يرفعوها على لوحة، ولم يكتبوها في سطر واحد من مناهجهم، ولم يتحدثوا عنها ولو بجملة في خطبهم ومنابرهم. ثم عودوا إلى ذات «شقراء» وأخواتها في كل أرجاء هذا الوطن لتكتشفوا أن شوارع المودودي وقطب والبنا أضعاف أسماء شوارع المشايخ الفضلاء محمد بن إبراهيم وابن باز وابن عثيمين. 
وفي الخلاصة لا تظنوا أنني أتحدث عن لوحات وشوارع. الحديث برمته أن هذا الاختطاف العبثي لم يكتف بسرقة مدارس وجامعات، بل أيضاً قيمة وطن لم يقف لاحترامه بعض هؤلاء الذين عاشوا من خيره وتفيأوا ظلاله ونعموا بأمنه واستودعوا في حساباتهم ملايينه. سأذهب للخيال: ماذا لو كان سيد قطب من وقف على المسرح ما قبل الأمس وكيف سيقفون له على رؤوس الأصابع.