يوسف القبلان

قررت الطالبة السعودية المبتعثة الى أميركا لدراسة الماجستير نادين بنت يوسف السياط نقل ما دونته من مواقف عاشتها في أميركا إلى كتاب يحمل عنوان (محققة سعودية في الشرطة الأميركية) يتضمن المواقف الاجتماعية والدراسية التي مرت بها، والصعوبات التي كادت تعيدها الى الوطن دون اكمال الدراسة.

استمتعت بقراءة هذا الكتاب لعدة أسباب، منها أنه أعادني الى ذكريات الدراسة في أميركا, لكن الأهم من ذلك أنه يسرد قصصاً واقعية بأسلوب مبسط بعيد عن التكلف, وينقل تجربة جديدة بالنسبة لفتاة سعودية ليس من حيث الابتعاث، ولكن من حيث التخصص.

تجربة المحققة نادين تجربة علمية وإنسانية وإدارية. تجربة علمية كونها التحقت برغبتها بتخصص صعب، وتعرضت لصعوبات وتحديات من مرحلة القبول بالجامعة حتى مرحلة إعداد البحث والمناقشة..

في بداية البعثة سيطرت على الطالبة نادين مشاعر القلق من الغربة، والخوف من عدم اجادة اللغة الانجليزية, ومن شروط القبول في الجامعة, وكذلك الخوف من بعض السلوكيات العنصرية.

تلك مشاعر يمر بها كثير من المبتعثين، لكن الأمر المختلف في بعثة نادين أنها دخلت في تجربة جديدة جريئة مثيرة، تتمثل في مجال التخصص، والمشاركة الميدانية مع الشرطة الأميركية في ملاحقة المجرمين، والتحقيق معهم من خلال فترة التدريب العملي.

في دراستها النظرية مرت الطالبة بصعوبات وتحديات مع متطلبات الدراسة، ومنها إعداد التقارير، والبحوث، وهي صعوبات وتحديات يمر بها معظم المبتعثين, وقد تمكنت من تجاوزها بالإرادة والجدية ووضوح الهدف. أما التدريب العملي في الشرطة الأميركية فهو الشيء الفريد المتميز في تجربتها, حيث تعرضت حياتها للخطر بسبب رغبتها في التعلم من خلال المشاركة الميدانية. تحققت رغبتها ورافقت دوريات الشرطة في متابعة البلاغات، وملاحقة المجرمين، والتحقيق معهم. تقول نادين عن تجربتها: ( مغامرات عديدة مرت بي خلال فترة تدريبي في فرع الشرطة, استمتعت بجميع لحظاتها، واعتقد أنها الفترة الأجمل بالنسبة لكل أيامي بالغربة, وخلال فترة عملي مع المحققين في الفرع حضرت جلسات استجواب مجرمين وشهود وضحايا جرائم).

اختارت نادين لمشروع التخرج موضوعاً مهماً عن تجربة المملكة في إعادة تأهيل الإرهابيين. جاء هذا الاختيار بعد دراستها مادة الإرهاب الدولي مع الدكتور إيري، الذي تطرق في إحدى محاضراته الى أساليب مكافحة الإرهاب، وأثنى على اسلوب المملكة في هذا المجال، واقترح عليها أن تكتب عن هذا الموضوع ليكون مرجعا لهم في المكتبات الأميركية لقلة المراجع التي تتحدث عن هذه التجربة باللغة الإنجليزية.

وهكذا كانت رسالتها للماجستير بعنوان ( مدى فعالية برنامج المناصحة المقام في مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية على المتطرفين والإرهابيين).

تجربة المحققة نادين تجربة علمية وإنسانية وإدارية. تجربة علمية كونها التحقت برغبتها بتخصص صعب، وتعرضت لصعوبات وتحديات من مرحلة القبول بالجامعة حتى مرحلة إعداد البحث والمناقشة. وتمكنت نادين من تجاوز العقبات واحدة تلو الأخرى، حتى وصلت الى خط النهاية بنجاح، وحققت هدفها بالحصول على شهادة الماجستير في تخصص العدالة الجنائية.

وهي تجربة إنسانية من حيث الغربة والتعايش مع الغرباء والزملاء مع وجود مشاعر خوف - مبالغ فيه - أحيانا من العنصرية والتحيز ضدها بحكم كونها مسلمة. ولاشك أن نجاح نادين المتميز في دراستها, ونجاح العمة المسلمة ( سارة) في عملها ص (265) هي تذكير بأن المجتمعات الإنسانية لا تخلو من السلبيات ومنها العنصرية، لكن طريق العلم والعمل والجدية والتفكير الإيجابي عوامل تمهد الطريق الى النجاح والتغلب على المعوقات، والدليل حصول بحث نادين على المركز الأول.

نقطة الضوء الإنسانية الأقوى هي التواصل مع الوالدين حيث تجد الدعم العاطفي والمشاركة في ايجاد الحلول .

أما التجربة من زاوية إدارية فأجدها في بداية البعثة، حين ظهرت مشكلة لم تتوقعها وتتلخص في عبارة سمعتها الطالبة من موظف الملحقية: أنت لست مبتعثة, لا يوجد لك ملف إلكتروني في موقع الوزارة.

تفاصيل إجرائية جعلت الطالبة تبدأ دراسة اللغة على حسابها، حتى وصل خطاب إلحاقها بالبعثة.

أما الجانب الآخر من التجربة الإدارية فأجده في نهاية الدراسة، وتحديدا في إعداد رسالة الماجستير. موضوع البحث كما أشرنا هو عن تجربة المملكة في إعادة تأهيل الإرهابيين من خلال برنامج المناصحة. وجدت الباحثة نفسها حائرة بين جهاز أمني طبيعة عمله تتطلب السرية والتحفظ في موضوع المعلومات, وبين متطلبات البحث ورغبة اللجنة المشرفة في الإستفادة من هذه التجربة.

تغلبت الباحثة على هذه المشكلة، وحصل بحثها على المركز الأول في تاريخ تخصص العدالة الجنائية لجامعة كولورادو / دنفر.

في مناقشة رسالة الماجستير أوضحت الطالبة سبب اختيارها لموضوع الرسالة، ثم قدمت للجنة شرحا عن برنامج المناصحة وتوضيح أهدافه ورسالته واستراتيجيته, مع التأكيد على أن منفذي العمليات الإرهابية والمتطرفين من المسلمين لديهم خلل في فهم مفاهيم الإسلام تدفعهم لارتكاب أعمال باسم الإسلام, والإسلام بريء منها.

الدراسة ركزت على ثلاثة محاور هي:

1_ مدى فعالية برنامج المناصحة على المتطرفين والإرهابيين من وجهة نظر العاملين على البرنامج.

2_ كيفية تطوير أعمال مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية من وجهة نظر العاملين على البرنامج.

3_ كيف يمكن للدول الغربية التعلم من الخبرة السعودية لبرنامج المناصحة من وجهة نظر العاملين على البرنامج.

وأخيرا أتساءل , ما الذي حدث بعد التخرج والعودة للوطن بشأن البحث ونتائجه وتوصياته؟ وهل وجدت نادين الفرصة لنقل تجربتها في التدريب العملي الى الوطن لتحقق هدفها من هذا التدريب الذي لم يكن من المتطلبات الأساسية للحصول على درجة الماجستير ؟

وأختم بنصيحة للمبتعثين من الطلاب والطالبات بأن جدية وصرامة الأساتذة ليست دائما مصدرها العنصرية , وحتى لو كانت كذلك – وهي حالات استثنائية- يمكن التعامل معها بطريقة ايجابية كما يمكن التعامل معها بالقانون.

كتاب ( محققة سعودية في الشرطة الأميركية) شدني للقراءة بداية من صفحاته الأولى, أضحكني وأبكاني وأثار في ذهني الكثير من الأسئلة والتساؤلات , ومن يقرأ الكتاب سيعرف السبب.