سعيد عبد الرازق

عدّت مصادر دبلوماسية تركية أنه من الصعب على أنقرة أن تغير من مواقف الإدارة الأميركية في أهم ملفين يشكلان عقبة أمام تطوير العلاقات الثنائية، وهما ملف تسليم الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات التركية بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو (تموز) من العام الماضي، وتسليح واشنطن ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية واعتبارها حليفا أساسيا في الحرب على «داعش» في سوريا.

المصادر قالت لـ«الشرق الأوسط» إن تسليح الميليشيات الكردية في سوريا فرض نفسه على رأس جدول أعمال لقاء الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض أمس الثلاثاء نظرا للتطورات المتسارعة في هذه الملف ارتباطا بعملية تحرير مدينة الرقة السورية من يد «داعش»، وبسبب توقيع ترمب القرار قبل أسبوع واحد من لقائه إردوغان ما اعتبر مؤشرا من جانب واشنطن على رفض تغيير موقفها في هذا الملف.

ووفق خبير العلاقات الدولية بورا جوتشلار، يتوقع أن تستمر مرحلة الفتور والبرود في العلاقات التركية - الأميركية، لا سيما، بعدما فاجأت إدارة ترمب أنقرة بقرار تسليح الميليشيا الكردية قبل وصول إردوغان ولقائه ترمب بأسبوع واحد، وهذا، رغم تعهدات واشنطن بالحفاظ على أمن الحدود التركية الجنوبية وإبعاد الميليشيا التركية عن الرقة بعد انتهاء عملية تحريرها، وتأكيدها على التعاون مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني.

جوتشلار أبلغ «الشرق الأوسط» أيضاً أن الملف الثاني المهم، وهو تسليم فتح الله غولن المقيم في أميركا منذ عام 1999، لم يشهد أي تغيير في الموقف الأميركي على مدار 4 أشهر من الاتصالات المكثفة منذ تولي إدارة ترمب وحتى الآن. ورأى أن الإدارة الأميركية «تركز على ملف الحرب على الإرهاب من خلال الحلفاء الجاهزين، ولذلك، فإنها ترى في ميليشيا (قوات سوريا الديمقراطية)، (قسد)، التي تغلب على تشكيلها ميليشيا (وحدات حماية الشعب) الكردية، حليفا رئيسيا لا يمكن الاستغناء عنه حال رغبت واشنطن في الانتهاء سريعا من عملية الرقة».

ومن ثم، اعتبر المحلل التركي، أن الإعلان الأميركي السابق على زيارة إردوغان بأيام بتسليح هذه الميليشيا «وجه ضربة قوية إلى مساعي إذابة جليد العلاقات الباردة بين البلدين التي لم يؤثر فيها تعدد الزيارة وتبادلها بين المسؤولين في إدارة ترمب ونظرائهم الأتراك». ولفت إلى أن أنقرة، رغم رفضها هذه الخطوة، فلقد التزمت ضبط النفس ولم تصدر تصريحات حادة عن المسؤولين الأتراك انتظارا للقاء إردوغان - ترمب.

وكانت العلاقات التركية - الأميركية قد تدهورت في نهاية عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وسط خلافات بين البلدين حول عدد من الملفات، أبرزها تسليح الأكراد السوريين الساعين إلى كيان فيدرالي، الممثلين في «وحدات حماية الشعب»، وتسليم الداعية فتح الله غولن.

جدير بالإشارة أن إردوغان كان قد استبق زيارته لواشنطن ولقائه ترمب أمس بتوجيه انتقادات حادة للإدارة الأميركية على خلفية قرار واشنطن دعم «الوحدات» في شمال سوريا بالسلاح بحجة التعجيل بتحرير الرقة من تنظيم داعش. وكذلك أن أنقرة غير متفائلة أيضا بشأن موقف إدارة ترمب من تسليم الداعية فتح الله غولن المقيم في أميركا والذي تتهمه بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا منتصف يوليو (تموز) 2016.

هذا، ونقلت وسائل الإعلام التركية عن إردوغان قوله إن المباحثات مع نظيره الأميركي ستكون «نهائية»، لافتا إلى أن رئيس الأركان التركي ووزيري الدفاع والعدل ومسؤولين آخرين أجروا لقاءات في واشنطن تركزت بالدرجة الأولى حول مسألة أكراد سوريا... و«نحن سنقوم بالمباحثات النهائية في هذا الإطار، وسنتخذ القرار النهائي... هذا العمل طال كثيراً، ليس لدينا قدرة على التحمل أكثر من ذلك». 

وردا على كلام أميركي مؤداه أن تركيا تأخرت في حربها على تنظيم داعش، قال الرئيس التركي إنها «أكاذيب من الأعلى إلى الأسفل»، متهماً إدارة أوباما بالتخاذل في الحرب على «داعش»، متابعاً: «هذه الادعاءات أكاذيب وافتراءات وثرثرة فارغة». وللعلم، رافق إردوغان إلى واشنطن وفد يضم وزراء العدل بكير بوزداغ، والخارجية مولود جاويش أوغلو، والاقتصاد نهاد زيبكجي، والطاقة والموارد الطبيعية برات ألبيرق، والدفاع فكري إيشيك. ويشكل ملف تسليم غولن أحد أهم الملفات الشائكة التي تؤثر على مستقبل العلاقات بين أنقرة وواشنطن، ووصل التعقيد في هذا الملف إلى ذروته في ظل إدارة أوباما التي أحجمت عن القيام بخطوات استباقية للأعمال القانونية في هذا الشأن رغم مطالبات أنقرة بتطبيق اتفاقية تبادل المجرمين الموقعة بينهما.

وتزامنا مع زيارة إردوغان، وقبل ساعات قليلة من لقائه ترمب، وقع عدد من أعضاء مجلس النواب الأميركي على رسالة مفتوحة تطالب بعدم تسليم غولن بحجة أن أنقرة «لم تقدم أدلة قانونية دامغة على ضلوعه في تدبير محاولة الانقلاب»، فضلا عن حملات الاعتقال الموسعة التي طالت أنصاره عقب محاولة الانقلاب مباشرة وتضييق السلطات التركية على حرية التعبير، والتوسع في سجن وفصل مئات الآلاف من أعمالهم أو وقفهم عن العمل لاتهامهم بالصلة بغولن دون تحقيق ودون توجيه اتهامات حتى الآن. وانتقدت الرسالة بشدة إغلاق وسائل الإعلام من قنوات تلفزيونية وصحف، فضلا عن ملفات كثيرة بخصوص الأكراد في تركيا وسوريا.