محمد سعيد القدسي

القمة التي تجمع قادة دول مجلس التعاون بالقيادة الأميركية يوم غد الأحد بمدينة الرياض، وهي ثالث قمة بين الجانبين خلال السنوات القليلة الماضية، هدفها وضع أسس واضحة وصريحة للتعاون مع الإدارة الأميركية

لقاء ترامب بقادة دول مجلس التعاون يؤكد اهتمام الإدارة الأميركية بأمن الخليج العربي، والتصدي للمخاطر التي تهدد المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية للعالم وتهدد المصالح المشتركة للطرفين

أبرز الخطوات التي أكدت وحدة منظومة مجلس التعاون كانت عملية تحرير الكويت، وحماية عروبة البحرين واستمرار المطالبة بحق الإمارات في جزرها الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى التي تحتلها إيران

محمد القدسي*

منذ إعلان قيامه في قمة أبوظبي يوم الاثنين الموافق 25 مايو 1981، التي ترأسها المغفور له حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة دعمها لمسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية بكل ما أوتيت من قوة وجهد وفي كافة المجالات التي يتم الاتفاق عليها، والتي ترجمت الرؤية التي كانت تداعب فكر الشيخ زايد رحمه الله، وسعى لها بشكل حثيث،

حتى تكللت بالنجاح نتيجة جهوده المتواصلة مع إخوانه قادة دول الخليج العربية. لقد استشعر الشيخ زايد طيب الله ثراه ببعد نظره وحسن قراءته لمجرى الأحداث الخطر الحقيقي الذي أخذ يهدد المنطقة التي دخلت في أتون حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل وهي الحرب العراقية الإيرانية التي أصبحت تهدد المنطقة كلها، يُضاف إليها الوجود السوفييتي في أفغانستان، إلى جانب تأثيرات نظام الثورة الإسلامية في إيران بعد حكم الشاه والتي راحت تعبث باستقرار المنطقة في مواقع عديدة. وإذا كانت دول الخليج قد رصدت هذا الخطر وعبرت عن رغبتها في التعاون المشترك، إلا أن زايد رحمه الله كان واحداً من الذين تحمسوا لقيام المجلس دون أي تحفظات، بل كان يود لو أنه صار اتحاداً كاملًا بين دول المجلس يكون دعماً وسندا لكل العرب. وقد تواصلت هذه الحماسة من خلال سياسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، ومعه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وذلك من أجل تعزيز العمل المشترك بين دول المجلس، انسجاماً مع كافة الاتفاقات التي أقرتها قمم المجلس والاجتماعات الوزارية واجتماعات المسؤولين المعنيين في دوله، خاصة في مجالات الدفاع والأمن والتجارة والمشاريع والتملك والتنقل وتشكيل اللجان المشتركة، لعمل الدراسات اللازمة حول مواضيع حيوية مثل النقد والأسعار والمواصلات والإعلام وغيرها من النقاط التي تم الاتفاق عليها ضمن الأمانة العامة للمجلس.

ولعل من أبرز الخطوات التي اتخذت وأكدت على وحدة منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية كانت في دفع الأخطار التي تعرضت لها بعض دوله واستدعت التدخل عسكرياً مثل عملية تحرير

الكويت، وحماية عروبة البحرين وأمنها والدفاع عن شعبها الملتف حول قيادته، إلى جانب استمرار المطالبة بحق الإمارات في جزرها الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى وإنهاء احتلال إيران لهذه الجزر.

وبرزت على الساحة الخليجية والإقليمية والعربية خلال السنوات القليلة الماضية أحداث ومتغيرات وتحديات خطيرة تركت آثارها وتبعاتها على طول امتداد الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، وما زالت ماثلة في العراق وسوريا وليبيا واليمن مما أفضى إلى تدخل قوى من خارج المنطقة. وبرز الإرهاب بتسمياته العديدة ليشكل خطراً على الدول العربية تحديداً. ولا يفوتنا الإشارة إلى الدور الإيراني في العديد من هذه التحديات، يضاف إليه التوقيع على اتفاق البرنامج النووي الإيراني مع دول (خمسة + واحد) وما ينطوي عليه من آثار سلبية قد تظهر نتائجها خلال سنوات قليلة. جميع هذه الحقائق لا يمكن أن تغفل عنها سياسة ورؤية منظومة مجلس التعاون، ومن هنا جاء الصدى بعقد قمة تجمع قادة دول مجلس التعاون بالقيادة الأميركية يوم غد الأحد 21 مايو الجاري بمدينة الرياض، وهي ثالث قمة بين الجانبين خلال السنوات القليلة الماضية، بهدف إعادة ترتيب الأوراق ووضع أسس واضحة وصريحة للتعاون مع الإدارة الأميركية التي تسلمت السلطة قبل نحو أربعة أشهر، وذلك بهدف تعزيز وتطوير الاستراتيجية المشتركة التي أُعلنت مع الإدارة الأميركية السابقة.

وقد جاء لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالرئيس ترامب في البيت الأبيض قبل أيام قليلة من قمة الرياض ليؤكد حرص البلدين على بذل الجهود لمواجهة الأزمات التي تواجه المنطقة ودعم أمنها واستقرارها، إلى جانب تناول القضايا الإقليمية والتدخلات التي تهدد الأمن في الشرق الأوسط والخليج العربي. واعتبر سموه أن لقاء ترامب بقادة دول مجلس التعاون يؤكد اهتمام الإدارة الأميركية بأمن الخليج العربي، والتصدي للمخاطر التي تهدد المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية للعالم وتهدد المصالح المشتركة للطرفين.

إن قمة قادة التعاون مع الرئيس الأميركي ترامب تجسد لنا قمتين سابقتين في الظروف نفسها عقدها قادة دول المجلس بالرئيس الأميركي السابق أوباما وتكللتا بالنجاح من خلال الاتفاق على كافة النقاط التي ناقشها مسبقا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس أوباما. كان اللقاء الأول يوم 20 أبريل عام 2015 في البيت الأبيض بواشنطن تتويجاً للقاءات سابقة نظراً لأهمية المواضيع التي تضمنها جدول أعمال هذا الاجتماع، والذي لاقت نتائجه أصداء واسعة على الصعد الإقليمية والدولية، وكان من أبرزها: * إن تعزيز التعاون الأمني والتنسيق بين دول التعاون والولايات المتحدة هو من الركائز الأساسية للأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، إلى جانب محاربة الإرهاب والتطرف.

*اتفاق الرئيس الأميركي مع وجهة نظر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على أهمية إلزام إيران بالاتفاق النووي بما يضمن عدم حدوث أزمات في المستقبل نظراً لأن إيران

متورطة في عدد من الصراعات في المنطقة العربية.

*تطابق الرؤية بين الجانبين في الموضوع اليمني وضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي مع تأييد الولايات المتحدة للتحالف العربي الذي تشارك فيه الإمارات بهدف عودة

الاستقرار إلى اليمن وانعقاد الحوار بين كافة الأطراف اليمنية.

*تأييد استمرار ضرب تنظيم «داعش» الإرهابي وكافة التنظيمات الإرهابية الأخرى مهما اختلفت مسمياتها من خلال التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وقد كانت هذه النقاط التي اتفق عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الأميركي هي نفسها محور اجتماع الرئيس أوباما بقادة دول مجلس التعاون في كامب ديفيد في شهر مايو 2015 إلى جانب القمة الثانية التي جمعت الطرفين في شهر أبريل من عام 2016، أي قبل نحو عام.

متابعة الأحداث واللقاءات في هذه الفترة يقودنا إلى تأكيد دور الإمارات العربية المتحدة الثابت من خلال سعيها الحثيث ضمن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية للتصدي للعنف والتطرف ومحاربة الإرهاب، ووقف نزف الدماء وتحقيق سيادة الشعوب العربية فوق أراضيها حرصاً على سلامة الأمن القومي العربي حقيقة واقعة لا لبس فيها ولا جدال، وهو ما يوضحه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في قوله: (مجلس التعاون لم يأت دفاعاً ضد هجوم، ولا تفاديا لخطر محدق لأن دول الخليج لا تعاني من عقد الخوف، ولا تخشى ما يخشاه الآخرون. إن دولة الإمارات مع شقيقاتها دول الخليج هي إحدى مرتكزات التضامن العربي في وجه التحديات التي تشهدها الأمة العربية).

وتعود بنا الصورة إلى ظروف إعلان قيام المجلس من أبوظبي يوم 25 مايو 1981، والتي كانت تحمل تحديات أخرى شبيهة بما تعيشه الأمة العربية اليوم واستدعت من القائد الحكيم زايد طيب الله ثراه لأن يكون العنصر الأهم والأبرز في الإسراع بقيام الصرح الخليجي الواحد. وفي ذاكرتنا قوله:(إن الذي عجل بجمعنا والسعي لتكتلنا لم يكن سوى تفكك العالم العربي واضطرابه. إننا على النقيض مما يتصوره البعض، سنعزز الموقف العربي، ونزيد الدعم للجهد العربي ونؤازر الإمكانات العربية أكثر من أي وقت مضى، ولن يغير مجلس التعاون الخليجي من التزاماتنا العربية، لا كدول منفردة ولا كمجموعة خليجية، إن قوتنا لهم). تلك هي الركائز الثابتة في رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله لتعزيز مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية انطلاقا من يوم تأسيسه وانتهاء بقمة قادة دول المجلس مع القيادة الأميركية في شهر مايو 2017.