سلمان الدوسري 

بهبوط طائرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مطار الملك خالد في الرياض كأولى محطاته الخارجية، فإن حقبة الرئيس السابق باراك أوباما في السياسة الخارجية لبلاده قد انتهت وأصبحت شيئاً من الماضي، فاختيار السعودية إشارة واضحة إلى ما ستؤول إليه أولويات السياسة الخارجية الأميركية، وهو الدور الذي تؤمن الإدارة الأميركية الجديدة بأن الرياض قادرة على المساعدة في تحقيق استراتيجيتها، وهي ذاتها التي تشاركها فيها السعودية، كما لخّصها خادم الحرمين الشريفين بأن الزيارة ستعزز التعاون الاستراتيجي و«تحقق الأمن والاستقرار للمنطقة والعالم»، باعتبار الرياض وواشنطن لا تراهنان فقط على تصحيح مسار العلاقات الثنائية فحسب، وإنما على رفع مستوى التحالف بينهما وإعادته إلى وضعه الطبيعي، الذي توّج برؤية استراتيجية سعودية - أميركية مشتركة.


يمكن القول إن هناك أربعة أهداف رئيسية لزيارة ترمب، ويبدو أنها في طريقها للتحقق؛ أولها أن التعاون استراتيجياً مع السعودية هو حجر الأساس الذي يمكن للولايات المتحدة من خلاله تعزيز مصالحها وأمنها، فإدارة ترمب تعي أنه لا يمكن هزيمة الإرهاب دون دعم المملكة، الدولة التي تقف على الخطوط الأمامية للحرب ضد «داعش» و«القاعدة»، بعد أن ثبت أنها واحدة من أقرب الشركاء الأمنيين لأميركا، والعلاقات الاستخباراتية بين البلدين، تحديداً منذ هجمات سبتمبر (أيلول)، حمت آلاف الأميركيين وأوقفت عمليات إرهابية استهدفت الولايات المتحدة، والهدف الثاني مساعدة الرأي العام الأميركي على تصحيح نظرته إلى السعودية وأهميتها في مواجهة خطر الإرهاب، فدون المملكة لا يمكن محاصرة الإرهاب والقضاء عليه، وهذا مفهوم بالغ الأهمية، لكنه للأسف غائب، أو مشوّش، عن الشارع الأميركي، وفي مثل هذه الزيارة وما تتضمنه فرصة لتغيير ذلك المفهوم المغلوط، أما الهدف الثالث فيتعلق بشرح نظرة ترمب الصحيحة للإسلام، فعندما يريد توضيح موقفه من التطرف وعدم خلطه بالمسلمين، فلا أفضل من قمة يقابل فيها قادة وزعماء العالم الإسلامي على أرض مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ المدينتين المقدستين اللتين ترنو لهما قلوب المسلمين في العالم بأسره، في حين أن الهدف الرابع يتعلق بتوجيه رسالة شديدة اللهجة للنظام الإيراني كونه نظاماً معزولاً عن غالبية العالم الإسلامي، وأن صفحة التقارب الأميركي مع طهران التي سعت الإدارة السابقة لتعزيزها طوال ثماني سنوات طويت، وقد عبرت الاتفاقية الدفاعية التي وقعتها الرياض وواشنطن عن ذلك بوضوح، أو كما وصفها البيت الأبيض بأن هدفها التصدي لتهديدات إيران والإرهاب الإقليمي، وكذلك دعم جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب.
48 ساعة يقضيها الرئيس دونالد ترمب في الرياض، ستغيّر قواعد اللعبة في المنطقة والعالم، فهي ليست فقط زيارة رسمية كما غيرها من الزيارات الرسمية، اعتادت عليها الرياض، فباراك أوباما مثلاً زار السعودية أربع مرات، لم تحمل معها أي تغيير أو رغبة في ترميم وإصلاح التلف الذي أصاب التحالف بين البلدين، بينما هذه المرة ينتظر أن تخرج، ليس فقط علاقات الرياض بواشنطن، بل العلاقات العربية والإسلامية - الأميركية باستراتيجية جديدة تسهم في أمن واستقرار المنطقة والعالم. ترمب يدرك مدى التراجع الذي شهدته مكانة الولايات المتحدة خلال ثماني سنوات، كما يدرك التهديدات الأمنية التي تضاعفت بشكل غير مسبوق على بلاده كما على العالم أجمع، لذلك بدأ إعادة ترتيب أوراق المنطقة برحلة تحمل كثيراً من الرمزية، بعد أن وعد بإعادة النظر في دور الولايات المتحدة العسكري، وهو بالمناسبة لا يتعارض مع شعاره «أميركا أولاً»، فدون الحفاظ على مصالح أقوى دولة في العالم ودون تعزيز التحالفات القائمة، ستتضعضع مكانتها وستحل قوى أخرى مكانها، وهي بلا شك آخر ما تريده قوى عظمى مثل الولايات المتحدة.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .