حسام عيتاني

ينتخب اللبنانيون في العادة على طريقة الكتل الصماء. فيعرف السياسيون المحترفون مسبقاً عدد ناخبيهم والأصوات التي سينالون واستطراداً حظوظهم بالفوز بالمقاعد النيابية ما أن يُقر القانون الانتخابي. ولا يزيد هامش الخطأ على العشرة في المئة. وما المناورات التي تعوق إقرار القانون أو دفعه في وجهة من الجهات، النسبية مثلاً، إلا محاولات لتفتيت جبهة الخصم ومنعه من جمع كتله وتشكيل مناطق قوة.

القانون الانتخابي هو أكثر من نصف الطريق نحو النتائج المعروفة سلفاً. وليس هذا استثناء لبنانياً. فمنذ اتخاذ الانتخابات العامة السمة الدورية والشاملة في منتصف القرن التاسع عشر، تدور المعارك السياسية الشرسة حول شكل القانون بما يعكس التوازنات السياسية ومحتوى الصراعات السائدة في كل مرحلة تاريخية. في لبنان، تجري محاولة مستمرة منذ 2005 لتغيير مواقع الأطراف الرئيسة في النظام من دون تغيير طبيعة هذا الأخير.

ما من طرف يريد تخفيف طائفية الحكم أو انحياز السلطة إلى جانب الفئات الأغنى والأقوى. ما من جهة تسعى إلى دمقرطة العلاقات الاجتماعية وتعزيز موقع الإنتاج في اقتصاد يقوم على الريع، السياسي والعقاري خصوصاً. 

وما من حزب يُعتد به يطالب بتخفيف الفوارق المتفاقمة بين الفقراء والأغنياء وما ينجم عنه من تصاعد للتوتر. بل على العكس. تتنافس القوى السياسية في تسعير الانتماء المذهبي والطائفي وفي رعاية الفساد وفي ترك مواليها «يسوسون» المواطنين بالسلاح والترهيب. على هذه الخلفية جاء القانون الانتخابي الجديد.

تقدم القانون الجديد على سابقه، باعتماده النسبية والقوائم المعدة مسبقاً والبطاقة الممغنطة إلخ، لا يحميه من جملة من الإجراءات المضادة، إذا جاز القول، أفرغته من مضمونه، بحسب بيان «الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات» الذي أشار إلى جملة من النواقص سواء في الاختلاف في مستوى «العتبة» الانتخابية بين الدوائر أو عدد النواب على نحو ينسف تماماً كل ما حُكي عن تقدم القانون الجديد نحو تمثيل أكثر عدلاً للناخبين اللبنانيين.

يدعو المتفائلون إلى استغلال التمديد التقني الذي أقره الائتلاف الحاكم لنوابه حتى أيار (مايو) 2018 ريثما تتمكن أجهزة الدولة من تلبية المتطلبات التي تضمنها القانون، يدعون إلى بناء تحالفات معارضة تستفيد من الظواهر الإيجابية التي أخرجتها تحركات سابقة مثل الحراك أثناء أزمة النفايات في 2015 وانتخابات البلديات في 2016 وانتخابات نقابة المهندسين قبل شهور. 

في رأيهم أن النماذج المذكورة تنفي عن الاجتماع اللبناني تهمة الموات والخضوع الكامل لأحزاب السلطة الحاكمة وإصرارها على إبقاء البلاد في قعر هاوية الفقر والتخلف والاستعداد الدائم للحرب الأهلية. وأن المهمة الأولى للقوى البديلة هي التمسك بالأمل في تغيير سلمي يخفف من غلواء الاستنفار الطائفي ويضع لبنان على طريق بناء دولة أكثر انسجاماً مع تطلعات أكثرية اللبنانيين.

بيد أن تعريف «أكثرية اللبنانيين» في حاجة إلى تأمل أعمق. ذلك أن هذه الأكثرية ما وضعت يوماً أمام الاختيار بين زعيم الطائفة واتباعه وبين مرشح مستقل أقل طائفية، إلا واختارت الزعيم والطائفة لأسباب معروفة. استعراض أسماء غير الطائفيين (أو العلمانيين) من نواب مروا في البرلمان يشير إلى أنهم استثناء يؤكد القاعدة من جهة، وإلى أنهم ما كانوا ليفوزوا بمناصبهم لولا تأييد هذا التيار أو تلك الحركة الشريكة في الحكم.

يعيدنا هذا إلى انتخابات الكتل الصماء واللوائح المضمونة الفوز وإلى ضآلة الآمال التي يصح تعليقها على ناخب يؤيد مرشحا من القوى البديلة والى نسبية التقدم المحقق في القانون الجديد وخصوصاً إلى العلاقة المركبة بين الائتلاف الحاكم وبين آليات تجديد نفسه الباقية معنا لفترة طويلة مقبلة، ومظلمة، على ما يبدو.