مايا الحاج 

بعد مضي أكثر من ثلثي شهر رمضان، بات بإمكان المشاهد أن يُحدّد موقفه حيال هذا الموسم الدرامي. هل كان ناجحاً أم مخيباً للآمال؟ هل أعلن ولادة نجوم جدد أم نهاية نجوم كبار؟ الأسئلة كثيرة والأجوبة تغدو أوضح، لكنّ الطرح البديهي لدراسة موسم بأكمله، بدلاً من مسلسلٍ بعينه، يقتضي منّا سؤالاً محدداً يُلخّص الجوّ العام لمجمل الإنتاجات الدرامية الجديدة. ولعلّ السؤال الأهمّ في هذه المرحلة: ما هي السمة المشتركة بين أعمال رمضان 2017؟

تتعدّد السمات وتتكاثر كلّما توسعت رقعة مشاهدتنا التلفزيونية، لكنّ المشاهد الحذق لا بدّ أن تستوقفه نقطة مشتركة استحالت ظاهرة طغت على الموسم الرمضاني عموماً، وهي تتمثّل بتفوّق غير مسبوق لأصحاب الأدوار الثانية. وليس المقصود تفوّقاً على أنفسهم بل التفوّق الذي تجاوز في كثيرٍ من الأحيان أصحاب الدور الأوّل. فهل يمكن الفنان المساند أن يسرق البريق من النجم الأوّل؟

من يتابع مسلسلات هذا العام يستوقفه نجاح بدا جلياً في أداء ممثلين كان حضورهم باهتاً في السنوات الماضية، وآخرين ظلّوا بمثابة مواهب واعدة قبل أن يتكرّسوا نجوماً هذا الموسم. حنان مطاوع، قبل هذا العام، كانت محصورة في خانة معينة يصعب التحليق خارجها. ولكن يبدو أنّها تمردت على نفسها، فخرجت من قوقعةٍ كانت تُخبئ فيها طاقات تمثيلة كبيرة لتفجرّها في ثلاث شخصيات مختلفة عبر ثلاثة أعمالٍ تشارك فيها بأدوارٍ مساندة.

 

صديقة البطلة

في مسلسل «حلاوة الدنيا»، تلعب شخصية سارة، صديقة هند صبري. وليس سهلاً أن يسطع نجم فنانة تقف بجوار هند، الممثلة المتوهجة ذكاءً وأداءً ونجومية. ولا أظنّ أنّ كاتب النصّ أراد أن يجعل من هذه الصديقة بطلة، في وقتٍ نعلم جميعاً أنّ دور «الصديق» من الأدوار النمطية بحيث تظلّ مساحة دوره محدودة قياساً مع الهامش الذي يُمنح لبطل العمل ذاته. لكنّ أداء حنان مطاوع في هذا العمل رفع الدور من مرتبته الثانوية وجعله منافساً للدور الأول. فالشخصية، وإن لم تحمل في ذاتها عمقاً أو تركيبةً نفسية مميزة، بدت قوية ومؤثرة بعدما شحنتها مطاوع بِطاقة مذهلة، فلم تتوقف عند القشرة الخارجية للدور، بل اهتمت بالتفاصيل فعرفت كيف تستخدم انفعالاتها بالمقدار المطلوب. في مشهدٍ ما، تنهار سارة (حنان مطاوع) أمام صنبور تعطّل في مطبخ بيتها، فتأثرّت وأثّرت بالمشاهد في حالةٍ لا تستدعي عادةً أيّ تفاعل من هذا النوع. لكنّ الأداء الصادق والمحترف جعلنا نعرف أنّ بكاءها ليس سببه المياه الجارية وإنما سيل من مشكلات يومية بدأت تُعطّل حياتها. ومع أنّ نجوميتها تأخرّت قليلاً، لكنّ حنان ابنة المسرحي الراحل كرم مطاوع والفنانة سهير المرشدي، يمكن أن تكون من مفاجآت هذا الموسم الجميلة.

محمد شاهين ممثل مصري شاب يقف بدورٍ ثانٍ أمام نجمين معروفين، كريم عبدالعزيز وشريف منير. لكنّه يُقدّم في «الزيبق» أداءً تمثيلياً يجعلك تعترف بأنّه منافس لهما. واستطاع من خلال دوره المساند أن يحوّل ثنائية شريف منير وكريم عبدالعزيز إلى ثالوث ذهبي يُشكّل أحد أطرافه.

في «هذا المساء»، يقوم المسلسل على بطولة جماعية، لكنّ الدور الأوّل فيه يبقى للأردني أياد نصّار الذي لفت انتباه المشاهد في أعمال سابقة مثل «الجماعة 1» أو «أفراح القبّة». لكنّ موهبتين اثنتين سيرتبط اسمهما من الآن فصاعداً بمسلسل «هذا المساء» باعتباره جسر عبور لهما صوب البطولات الأولى، ولا أقول مُطلقة لأنّ الفنان، مهما علا شأنه، لا ينبغي أن يكون بطلاً مطلقاً في عمل يتشارك في إنجازه عدد كبير من الممثلين والتقنيين الذين يُحققون- عبر بصماتهم الخاصة- كينونة العمل الفني.

أحمد داود ومحمد فرّاج، اسمان جديدان يمكن اعتبارهما رمزي جيل ما بعد ثورة يناير. لا أظنّ المشاهد عرفهما قبل عام 2011، وهما يُشبهان شباب تلك الثورة، بوجه مصري وأداء عفوي وطموح حقيقي. ومع أنّ النقاد لم يتفقوا بعد على إنشاء مصطلح «ممثلو الثورة» أو «دراما ما بعد الثورة»، وتحديد مواصفات أبطالها، إلا أن مقارنة بسيطة بين النجوم الجدد ونجوم الجيل الشاب الذي سبقهم تكشف عن اختلاف جذري في خصائص «البطل» الشكلية والنفسية والتمثيلية. فبعدما شهدنا ولادة جيلٍ أشبع النوستالجيا الجماهيرية إلى فكرة البطل القوّي والرومانسي والوسيم بين 2005 و2011 (أمير كرارة، عمرو يوسف، حسن الردّاد)، عادت موجة «بطل الشارع» بمعنى أبطال بمواصفات شباب نلتقيهم بالآلاف في شوارعنا. محمد رمضان نموذج (ابن الحلال- 2011) ويبدو أنّ هذا التيّار «الطبيعي» إن صحّ التعبير سيستمرّ مع أحمد داود ومحمد فرّاج (بدوي وسوني في «هذا المساء») ومحمد ممدوح (أحمد في «لا تُطفئ الشمس»). واللافت في تجربة محمد ممدوح أنّه استطاع بعد نجاحٍ لافت في دور ثانوي في مسلسل «طريقي» مع شيرين عبدالوهاب (قبل عامين) أن يلعب الدور الأول في مسلسل «لا تُطفئ الشمس»، وإن كان العمل يُسوّق باسم النجمة القديرة ميرفت أمين. محمد ممدوح أيضاً لا يحمل أيّاً من مواصفات «البطل» بمعاييرها الثابتة في أذهاننا، فهو بدين، صوته لاهث، لكنه «نجم» حقيقي بالمعايير الفنية والتعبيرية.

 

الظل والنور

في الدراما اللبنانية والسورية تتكرّر الملاحظة ذاتها. ستيفاني عطالله، فتاة تلعب دور شقيقة جوري (نادين الراسي) في مسلسل «ورد جوري» استطاعت بعفويتها أن تُشكّل مفاجأة جميلة أمام أداء انفعالي مبالغ فيه لبطلة المسلسل نادين الراسي وتميزت خصوصاً في مشهد الاغتصاب. أحياناً، نجوم كبار وقديرون يظهرون في أدوار مساندة، فينقلون الدور من الهامش إلى مركز الضوء تارةً، ويُسيئون إلى تاريخهم طوراً. غابريال يمّين وأسعد رشدان اسمان أضافا إلى مسلسلات لبنانية «خفيفة» مثل «لآخر نفس» و «ورد جوري» شيئاً من القيمة والعمق. أما الرائعة منى واصف التي تشارك في «الهيبة» (تيم حسن ونادين نجيم) بدور مساند ومهم، فاستطاعت أن تسرق الوهج من بطلة العمل، الممثلة الجميلة التي ظُلمت أمام «هيبة» منى واصف ولم يشفع لها جمالها في السيطرة على عقولنا وقلوبنا. الممثلتان التقتا سابقاً في «سمرا»، لكنّ الفارق الإبداعي لم يظهر إلاّ في «الهيبة»، إذ بدت واصف متحكمة بأبعاد الشخصية شكلياً (المنديل، العصا، الكحل الأسود) ونفسياً (الثقة، الفخر، الاعتزاز، القوّة)، بينما ظلّت نجيم بعيدة في صورتها الشكلية وتعابيرها النفسية من صورة المرأة- الأرملة حديثاً- التائهة في بلدٍ لا تعرف فيه أحداً والمهددة بخسارة ابنها في أي لحظة فأصرت على إبراز أنوثتها وأناقتها وبلادتها، حتى في المشاهد الأشد توتراً.

أمّا الثناني عبدو شاهين (بدور شاهين ابن العمّ) وأوس مخللاتي (بدور صخر، الأخ الأصغر) فلم يسرقا طبعاً بريق جبل (تيم حسن)، بطل المسلسل الذي سرق نجومية فنانين كبار مذ ظهر أمام كاميرا حاتم علي قبل نحو عقدين، لكنهما نجحا في نقل الدور المساند من المرتبة الثانية إلى المركز الأول، في جوار البطل. وإذا كان أوس مخللاتي فعل الأمر ذاته، وربما بنسبة أكبر في مسلسل «نص يوم» (رمضان الفائت)، فإنّ الممثل اللبناني عبدو شاهين الوافد من المسرح إلى التلفزيون (شارك في مسرحية جواد الأسدي «لماذا تركت الحصان وحيداً» عن نص لمحمود درويش) هو مفاجأة «الهيبة» والدراما اللبنانية التي يمكن أن تتخلّص من ضعفها وسطحيتها حين تُسند الأدوار الرئيسة فيها إلى شبابٍ يمتلكون هذا المستوى من الموهبة.