عبده خال

مررت بقصر أحد المشايخ فوجدت خلقا من المعدمين يجلسون أمام باب الشيخ عله يجود عليهم بما تيسر من مال.

ولأنه شيخ كانوا يتسابقون على المجيء قبل صلاة العشاء خشية من الانتظار الطويل الذي يمتد إلى ما بعد صلاة التراويح، هذا الشيخ قفز إلى الثراء بعدما عمل في إصلاح ذات البين، وقفز مرتبة في توسط بين أصحاب الدم، وقفز مرة ثالثة إلى جامع صدقات المحسنين وتوزيعها على المحتاجين، ومع تفرع أعمال البر كان يجد لنفسه مكانا... لهذا أراد أن يرى الناس نعم الله عليه فابتنى قصرا وجلب خدما وحشما (اللهم لا حسد) وكما يقول الإخوة المصريون (الواد بليه)، أي الشخص (الفتك)، الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، لذلك وقياسا على هذا فنحن لدينا الشيخ (بليه)..

***

كما جعل المسجد للعبادة وجد فيه المحتالون مصدرا للسرقة والاحتيال من أجل ما نسميه (وسخ دنيا)... وكم كان هذا الوسخ ملوثا لضمائر الكثيرين وربما تستقبل حيل اللصوص في جميع شؤون الحياة لكن السرقة باسم الدين تجدها أشد وطأة.

ولأن النفوس اتسخت كثيرا تعددت وسائل النصب باسم الدين، ولأننا مجتمع متدين نتعرف في كل يوم على طريقة يتم من خلالها عملية نصب ويتكشف لنا لص جديد مرتديا لبسا دينيا أو مطلقا شعارات عن الخير والتكافل بعد أن يجمع حوله (لصوص) مثله لم يتم اكتشاف زيف دعاواهم ولهم ثقة عند أفراد المجتمع، واجتمع هؤلاء اللصوص للسرقة داخل المسجد أو من على منصات الدعوة أو من خلال القنوات الفضائية في كل مكان لهم خبر.

والسرقة باسم الجديد أخرجت لنا أثرياء لهم فحش الثراء وفحش الوسيلة، وكأنهم تجار سلاح يمارسون غسل الأموال التي جمعوها باسم البر ويعيدون تدويرها لأرصدتهم العينية..

وكم من شحاذ سلك مسلك الصالحين (ظاهريا) وبعد فترة وجيزة إذا به وجيه يبذل المال على الفقراء والمساكين، ذلك الشحاذ انتقل إلى مهنة النصب باسم الدين فلم نعد نتذكر ماضيه بل نشير إليه بالشيخ الغني..

ولأن عمليات النصب الكبيرة تتم فيها المداولات والمفاوضات تجد هؤلاء اللصوص يعقدون الصفقات مع القنوات الفضائية أو شركات الاتصال أو تسخير أفراد لنشر رسائلهم عبر الواتس، وبعد ذلك ينتظرون انصباب الأموال صبا...

ومهما قامت الدولة بتجفيف منابع هذا الاحتيال باسم الدين فإن لصوص الأعمال الخيرية لهم جلد حرباء يتلونون بتلون الظرف السياسي والاجتماعي والثقافي..

***

اللهم لا تجعلنا نقف ضد خير بل اجعلنا كاشفين لكل زيف ولكل من يشتري باسمك حظا من الدنيا.