أحمد يوسف أحمد 

جاءت المواقف الدولية تجاه الأزمة الراهنة التي تسبب فيها النظام القطري غير كافية في تقديري، إذ إنه باستثناء الموقف الأميركي فإن باقي المواقف تثير من علامات الاستفهام أكثر مما تقدم من إجابات، وحتى الموقف الأميركي نفسه لا يخلو من علامات استفهام. وبالنسبة للموقف الأميركي نعلم أنه تطور وفق تسلسل معين انتهى إلى إدانة ظاهرة من قِبَل الرئيس الأميركي للسياسة القطرية، فقد بدأ تصريحاته على نحو يُفهم منه وكأن تقييم السلوك القطري خاص بالزعماء العرب وليس به شخصياً، فهو يقول إنهم «قالوا له» إن قطر تمول الإرهاب، ثم أردف هذا التصريح بثانٍ بيـّـن فيه سعادته بأن اجتماعه مع قيادات الدول الإسلامية في الرياض قد أتى بهذه النتيجة السريعة، فهو إذن مغتبط بقرارات الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع قطر، وانتهى بالقول إن لقطر تاريخاً في تمويل الإرهاب على مستوى عالٍ جداً. وكل هذا طيب لولا أن أشخاصاً رئيسيين في إدارته لا يبدون متفقين معه، فعلى رغم أن وزير الخارجية مُقِر بتورط النظام القطري في دعم الإرهاب إلا أنه يدعو إلى تخفيف عزلة قطر لأنها تعرقل الحرب ضد «داعش»! ولأن لها تداعيات إنسانية «غير مقصودة» وتضر بالتجارة الأميركية! ووزير الدفاع الأميركي بدوره يقول إن المسألة معقدة للغاية، ويدعو إلى حلها بالتفاهم، ولكن ثالثة الأثافي هي صفقة طائرات «إف15» التي تم توقيعها في ذروة الأزمة بقيمة 12 مليار دولار والمناورات البحرية الأميركية- القطرية في التوقيت نفسه! والسؤال هو: منذ متى تبيع الولايات المتحدة أسلحة متقدمة لدول تدعم الإرهاب وتُجري معها مناورات عسكرية؟

لكن الأمر يهون إذا انتقلنا للمواقف الأوروبية فهي في مجملها باهتة تتحدث عن «القلق» على وحدة الخليج، وأن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لحل الأزمة، تستوي في هذا، مع خلاف في التفاصيل، دول كألمانيا وفرنسا وبريطانيا بل وروسيا. وليعلم أصحاب هذه السياسات أن الدول التي قطعت علاقاتها مع النظام القطري هي الأحرص على وحدة الخليج، وعلى حل الأزمة بالحوار، ولكن المشكلة أن رسالة هذه الدول هي التصدي للإرهاب وداعميه، وعلى الذين يبدون قلقهم على وحدتنا ويدعون إلى الحوار أن يجيبوا أولاً على السؤال الأساسي في الأزمة: هل يدعم النظام القطري الإرهاب أم لا؟ لأن الإجابة ستحدد طبيعة الحوار الذي يمكن أن يجري ويصل بنا إلى الحفاظ على وحدة الخليج، فلسنا إزاء أزمة تُـحل بالحلول الوسط، وإنما الحلال بيـّـن والحرام بيـّـن، ولدينا برهاننا، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. والغريب أن هذه المواقف الباهتة تأتي في الوقت الذي بدأ يشهد معاناة الدول الأوروبية من الإرهاب، ويكشف التراخي في مواجهة الخلايا الإرهابية النائمة لديها، وتجاهل أصحاب الخبرة من أبنائها، وهل هناك ما هو أبلغ مما قاله مدير الاستخبارات الألمانية السابق (1998-2005) من أن «قطر مولت مساجد المتطرفين في أوروبا، وخصوصاً في ألمانيا، وجندت هذه المساجد عشرات الشبان للانضمام لتنظيم داعش، منهم من سافر للقتال في العراق وسوريا، ومنهم من نفذ هجمات في أوروبا». فكيف نفسر هذا التراخي في اتخاذ المواقف القاطعة في محاربة الإرهاب بدلاً من التخفي وراء هذه المواقف الخشبية؟ تبدو الإجابة سهلة للأسف بالعودة إلى القاعدة الأولى في العلاقات الدولية، وهي لغة المصالح، ففرنسا التي تحدث رئيسها خلال حملته الانتخابية عن نيته فتح «الملف القطري»، ومعها ألمانيا، تستحوذ الشركات الكبرى فيهما على الجانب الأعظم من مشاريع البنية الأساسية الخاصة بالاستعداد لتنظيم كأس العالم المفترض في قطر عام 2022. وقطر تملك حوالى خمس رأسمال شركة النفط الروسية العملاقة «روس نفط»، ناهيك عن صفقات السلاح الأميركي. ويُضاف إلى هذا احتمال أن تكون الفكرة الفاسدة أن «الإخوان المسلمين» يمكن أن يكونوا جزءاً من معادلة الحكم في الوطن العربي على أساس أنهم البديل الوحيد للتعامل مع التيار الإسلامي في ظل وجود تنظيمات كـ«القاعدة» و«داعش»، ولكننا لن نخاطر بأمننا واستقرارنا إزاء هذه الحسابات المصلحية الضيقة والخاطئة. وربما يتعين علينا أن نكون أكثر إصراراً على فضح سياسات النظام القطري، وممارساته الداعمة للإرهاب، بالطريقة التي تُحرج هؤلاء القلقين على وحدتنا.