عبدالله ناصر العتيبي

دخلت المقاطعة الخليجية قطر أسبوعَها الثاني بلا بوادر حل. القطريون ما زالوا في مرحلة الإنكار والمقاومة الكلامية. والخليجيون ماضون في المقاطعة السياسية والاقتصادية، ومستمرون عبر وسائل إعلامهم في كشف علاقة الدوحة، خلال السنوات القليلة الماضية، بالمنظمات الإرهابية والجماعات الخارجة على القانون، التي كانت وما زالت تهدد الأمن والسلم في منطقة الخليج العربي. أما القوى الإقليمية والعالمية فتتباين مواقفها من الأزمة، تبعاً للمصالح والعقائد السياسية والاصطفافات السابقة.

الأسبوعان الماضيان كانا تاريخاً مضغوطاً جداً. سنوات طويلة قاربت الـ20 عاماً جُمعت في أيام رمضانية قليلة وحُمّلت بالملفات كافة، قديمها وجديدها، فبدا لنا أن الماضي حاضر والحاضر مستقبل!

قطر تُقاوم مرة وتترنح مرات، والدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، ماضية -وفق مسؤوليها- في تفعيل الاستراتيجيات اللازمة لحمايتها من تدخلات الدوحة في شؤونها الداخلية، ومستمرة في تنفيذ مشروعها الهادف إلى الضغط على قطر إقليمياً ودولياً للتوقف عن دعم الإرهاب الإقليمي مالياً واستخباراتياً.

أسبوعان مرّا من الصدمة والإنكار قطرياً والعزم والحزم خليجياً والمراقبة والترقب إقليمياً ودولياً، فما هي يا ترى السيناريوات التالية التي قد تؤول إليها الأوضاع في المنطقة؟

السيناريو الأول: تراجع قطري عن إيذاء الجيران، وتحمل المسؤولية الأخلاقية والعملية عما كان يجري خلال السنوات الماضية، وطلب الصفح، ثم العودة من جديد إلى المنظومة الخليجية. هذا السيناريو يتطلب أولاً انسحاب قطر من الاتفاقات الثنائية العسكرية الموقعة مع إيران وتركيا، والتوقيع على وثائق خليجية جديدة تلتزم الدوحة فيها بعدم انتهاك اتفاق الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي الموقع من قادة دول مجلس التعاون في المنامة في 21 كانون الأول (ديسمبر) 2000. ويتطلب أيضاً أن تسمح الدوحة للدول الخليجية بالرقابة الدورية والمستمرة على القنوات المالية القطرية، لضمان عدم تدفق الأموال من جديد إلى الجماعات الإرهابية في المنطقة. ولا بد لهذا السيناريو أن يتضمن كذلك ترحيل أعضاء الجماعات الإرهابية خارج قطر، وإيقاف بث قناة «الجزيرة»، أو تغيير طواقمها المؤدلجة، والسماح للإعلاميين المغلوبين فيها على أمرهم بالممارسة المهنية الصرفة لمهماتهم الإعلامية من دون وصاية دينية أو قومجية أو توجيه مشبوه يحمل أجندات بعيدة من رسالة الإعلام. تحقق هذا السيناريو لا يتطلب تغيير رأس الحكم في قطر.

السيناريو الثاني: ثبات قطر على مواقفها وتراجع خليجي عن الذهاب بعيداً في هذه الأزمة، إما بسبب فشل المقاطعة السياسية والاقتصادية لقطر، وإما خوفاً من انهيار مجلس التعاون الخليجي لو استمرت الدوحة في تصعيد الموقف! هذا السيناريو سيعزز دعم قطر الجماعات المحسوبة على الإرهاب، وسيجعل من الدوحة مركزاً دولياً لإدارة الثورات في المنطقة، وستبقى كل دول الخليج بلا استثناء، بما في ذلك الكويت وعُمان، في مرمى الفوضى المنتقلة من حدود قطر إلى جيرانها. هذا السيناريو كذلك سيهز صورة الدول الخليجية الثلاث زائد مصر، إقليمياً ودولياً، وسيظهرها بمظهر الدول المندفعة التي لا تحسب نتائج تحركاتها ومبادراتها، ما سيؤثر في التعاطي السياسي مستقبلاً معها. كما سيسمح هذا السيناريو بحلب قطر اقتصادياً من الدولتين الانتهازيتين اللتين وقفتا معها، ليس من أجل سواد عينيها وإنما من أجل «عدم سواد» عيون جيرانها، وسيجعل قرار الدوحة السياسي خاضعاً على الدوام للطربوش التركي والعمامة الإيرانية!

السيناريو الثالث: نجاح وساطة الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل شهر أيار (مايو) الماضي. قطر تظل مثلما هي، ودول الخليج تستنكر «تحت الطاولة»! التوتر على أشده في الغرف المغلقة، لكن «كل شيء على ما يرام» على شاشات التلفزيون وأمام جموع الناس! نحن إخوة في الهواء الطلق، لكن لكل منا أجندته الخاصة التي قد تلحق الضرر الكبير بأخيه! هذا السيناريو، وإن كان سيحافظ على مجلس التعاون في المستقبل القريب، ويضمن للطرفين تراجعاً مبرراً، إلا أن خطره أكبر بكثير من السيناريوين الأول والثاني، لأن قطر التي نعرفها اليوم قد تكون قطر أخرى في المستقبل لا نعرفها ولا ندرك حتى حجم خطورتها على نفسها وعلى المنطقة.

السيناريو الرابع: مضي قطر قدماً في موقفها، وعدم تنازل دول الخليج عن مطالبها وشكاواها. تصعيد الموقف من جانب الدوحة، ومقابلته بتصعيد أكبر وأوسع تأثيراً من الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة! هذا السيناريو هو الأسوأ بين السيناريوات المتوقعة، فالدوحة ستفقد بعد وقت قصير سيادتها على أراضيها وقرارها الداخلي لمصلحة دول أجنبية، أما منظومة دول الخليج فمن المتوقع أن ينفرط عقدها وتستبدل بحلف رباعي جديد يضم السعودية والبحرين ومصر والإمارات، فيما ستذهب قطر تحت الوصاية الأجنبية وستبقى الكويت وعُمان رهينتين للحياد!

تركيا وإيران توهمان قطر في الوقت الحالي أنها مهددة عسكرياً من دول الخليج، واستطاعتا بالفعل أن تمررا هذه الخدعة على القيادة القطرية، الأمر الذي جاء بهما سياسياً وعسكرياً إلى منطقتنا في فرصة تاريخية لا تتكرر، وما عليك عزيزي القارئ سوى أن تتلمس وجود هاتين الدولتين في السيناريوات الأربعة وتضع هذا الوجود وجهاً لوجه في مواجهة حضور أميركا في المنطقة، وتسأل معي هذا السؤال الذي سأختم به مقالتي: ما هي الإجراءات التي اتخذها أو سيتخذها الحلف الرباعي الجديد لمواجهة الانتهازية الإقليمية والدولية في المنطقة؟!