مها الشهري

أسس المتطرفون قيم الدين بناء على فكرة العنف ثم جعلوه مطلبا دينيا، وقد أصبح القياس لانعكاساته المؤذية على المجتمعات بحاجة إلى الكثير من الجهود الفكرية التي ترسم ملامحه وتوضح أبعاده، إذ إن البحث في قضية الإرهاب وكشف الأعماق لخلفيات التطرف الفكري تقتضي تفسيرا للسؤال الدائم عن علاقة الدين بالعنف، وعن النهج الذي ينضوي تحته من كل الأساليب الممكنة في التعبئة.

ذلك يفسر مدى تكاثر الجماعات الدينية المتشابهة في التكوين وتجانس الهوية، والمختلفة في تنوع اتجاهاتها والمتناقضة في أهدافها السياسية، التي تعمل على تكريس العنف والتطرف الجماعي المشكل لصراع القوة العاكس لأبشع صورة من صور التطاحن السياسي المعاصر، إضافة إلى تدعيم الحرب ضد النزعة الإنسانية بكل ما تحمله من القيم، حينذاك؛ يُهمل الإرث التاريخي للإسلام عمدا ويستبدل بالطموح للهدف السياسي وصراع النفوذ.

تقمص البعض للتدين واختطاف قيمه الروحية أوقعهم في مأزق حقيقي لا يمكنهم من إيجاد التفسير المنطقي لحجم الورطة التي ربطوا فيها بين الدين والعنف، وإذا وضعنا مقارنة، سنلاحظ أن رأي الجماعات الدينية في الفكر العربي يتمثل في اتجاهات ذات قوة أكثر منها في المجتمعات الغربية؛ لأن رأي الفرد في اتجاه الظاهرة الدينية لا يمثل إلا موقفا شخصيا هناك، وهذا لا يلزمه برابط علاقة مع المؤسسات الدينية، إذ إنها تراجعت ولم تعد تستطيع فرض هيمنتها على الفكر الاجتماعي، بذلك يؤخذ الدين كطبيعة فردية، وتبقى نسبة الولاء والانتماء الديني مبنية على الفكر الذاتي وغير الموجه.

التوجه الفكري لتصحيح النظرة الدينية يتمثل في تحديد الدور للخطاب البعيد عن التسامح، ونحن بحاجة لبذل الكثير من الجهد والمواقف التي تصل إلى حد التشكيل للنظرة الاجتماعية الحديثة، الأمر الذي يمكن من التأثير لإحداث التغيير الفكري لما تشربته الأجيال طيلة هذه العقود الماضية، حتى أصبحت قناعات راسخة في عمق الفكر الديني بعد ان ظهر لنا أنه من الصعب تغيرها.