مجاهد عبدالمتعالي

الإسلام السياسي مشغول إلى حد يرثى له بتزكية نفسه ليتناغم مع حداثة العالم، ومفاهيم حقوق الإنسان العالمية، وسبب الرثاء هو الفصام الذي يعيشه

أكثر ما يقلق المتأمل للحالة الإسلامية، أن الحل الوحيد أمام الإسلاميين وبعض السياسيين، هو في تقسيم الإسلام إلى ثلاثة أنواع: إسلام خاص بالإرهابيين، وإسلام خاص بالأحزاب الإسلامية أمام دولها، وإسلام ثالث خاص بالأنظمة السياسية المعترف بها أمام مجلس الأمن الدولي، فأين هو الإسلام بين كل هؤلاء؟
الإسلام السياسي أداة أيديولوجية في يد الدول، بغض النظر عن هذه الدولة وقربها من الإسلام أو بعدها عنه، فبإمكان أميركا نفسها أن تستعين به مثلا في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفييي، وبإمكان روسيا بعد أن تعلمت الدرس جيدا في أفغانستان، أن تستعيد السلاح نفسه لتوجهه باتجاه أميركا، ليتحول الإسلام السياسي إلى فرانكشتاين الذي خرج عن سيطرة مخترعه، أتحدث هنا عن الإسلام السياسي بوجهه السنّي والشيعي.
الإسلام السياسي، هو حيلة شعبية لممارسة العمل السياسي في دول تخنق حرية التجمع الطبيعي للتعبير عن الرأي بغير إذنها، فلا يبقى أمام الناس سوى التجمع الديني في الصلوات الخمس ويوم الجمعة، مع إعطاء زخم لكل مظاهر الدين بشكل يشي برغبة دفينة في مقاومة السياسي عبر أضعف الإيمان «الإنكار بالقلب»، ليس لأسباب دينية في حقيقته، بقدر ما هو منفذ للمعارضة كحالة وجودية يحتاجها الإنسان الطبيعي عبر كلمة «لا»، ولهذا كان الإسلام السياسي باعتراف بعض نخبة العمل الإسلامي مكتسحا لأصوات الجماهير الشعبوية، ولكنه فشل في اكتساح النخبة السياسية والثقافية التي تدرك ما وراء الخطاب الديماغوجي بأي لون وطعم.
الإسلام السياسي، حيلة طرحها أفراد في واقع مستبد، فلما راجت على الناس اضطر السياسي أن يجاريها بالإسلام الرسمي للحكومة ليقمعها، فهرب من هرب من رجال الإسلام السياسي إلى «بلاد الكفار» لينشؤوا إسلاما رابعا هو إسلام المنفى أو إسلام المهجر.
الإسلام السياسي، هو طريقة بدائية للتعبير عن الرأي السياسي، بعد أن عجز الناس عن إدراك الطرق الحضارية عبر صندوق الاقتراع والبرلمان المنتخب، وحرية تكوين النقابات والأحزاب، دون تجريف سياسي ممنهج لكل القوى الوطنية الناشئة في النقابة والحزب.
الإسلام السياسي، هو زعامة متخلفة لواقع متخلف تستمرئه الشعوب المقهورة كي تشعر بوجودها، ويستمرئه السياسي كحالة توافقية تجعل الحكومة والمعارضة وجهان لعملة واحدة في الاستبداد والرجعية، ويبقى واجب الوطنيين سحب البساط من الإسلام السياسي، ووضعه تحت أقدام الدولة بمعناها الشامل «حكومة وشعب وجغرافيا»، مع ما في هذه المصطلحات من دلالات التنوع والاختلاف التكاملي، ليصبح الفهم الوطني للمسألة هو ما رأيناه مثلا في لقطة متلفزة لرجل يرتدي اللبس العسكري لإحدى الدول الغربية فيقول له أحدهم: كيف تشتري من هذا المسلم، فيرد العسكري: أشتري منه لأنه مواطن مثلي، والديانة ليست لها علاقة في وطنيتنا المشتركة، فيرد عليه أحدهم بقوله: ولكنك تقاتل المسلمين في العراق، فيرد هذا الجندي: هذه مسألة تخص سياسة وطني الخارجية، ولا علاقة لها بالمواطنين هنا، ليصبح الوطن في مفهومه فوق الاختلافات العقائدية، وعلى هذا قامت الدول المتحضرة، وعلى غير هذا تفجرت الدول بالحروب الأهلية والصراعات الطائفية والعرقية.
الإسلام السياسي مشغول إلى حد يرثى له بتزكية نفسه، ليتناغم مع حداثة العالم، ومفاهيم حقوق الإنسان العالمية، وسبب الرثاء هو الفصام الذي يعيشه لأنه مشغول في الوقت نفسه بمحاولة التسامي على الحداثة ومفاهيم حقوق الإنسان عبر إدعاء الأسبقية، ليشبه تماما العائل المستكبر. فواقعه المزري على مستوى الحقوق والحريات ينفي أي مصداقية يتفوه بها، فكأنما تحولت حركات الإسلام السياسي إلى منتج تلفيقي من الكلام والاستدلالات السفسطادينية، بعد أن عجزت عن صناعة مشروع على الأرض يجمع الإنسانية على أرضها بغض النظر عن اختلاف دياناتها وأعراقها، كما أغرت الدول المتقدمة أعراق الدنيا بالهجرة إليها رغم اختلاف مللها ونحلها، لتصبح بريطانيا مثلا حاضنة لأشد المتطرفين من الإسلاميين، وفق نظام يمنحهم حتى الضمان الاجتماعي من جيب دافع الضرائب البريطاني بشكل تعجز عن استيعابه الدول التي هاجر منها هؤلاء المتطرفون.
في عالم التربية، يتوهم الآباء أنهم يربون أبناءهم، ثم يكتشفون مع تقدم العمر، أن التربية كانت متبادلة، فالأبناء 
كانوا يربون آباءهم ليصبحوا أكثر تسامحا وفهما لتغيرات الحياة، وهكذا في عالم السياسة، فالدول تتطور 
في أساليبها مع تطور إنجازاتها ونجاحاتها في تجاوز الأزمات والعقبات التنموية، فالشعوب تربي ساستها، بعد أن أعطت البدايات وهما مزيفا للساسة بأنهم هم من يربون شعوبهم، فالحكمة تكمن في شعب يؤمن بقيادته، وقيادة تؤمن بشعبها، وبغير هذا الإيمان «المتبادل» فليس هناك سوى قمع السياسي ودسائس الشعب لتقوم المناكدة باسم الإسلام أو باسم العروبة، فيأتي المثقف ممزقا بين القمع والدسيسة، فلا روحه الحرة تقبل القمع، ولا كبرياؤه يستسيغ الدسيسة، ليعيش داخل وطنه الاغتراب كمصاب بالبارانويا، عاجزا خائفا من فعل أي شيء، ويعيش خارج وطنه الغربة يتمطى على الأرصفة والحدائق بنرجسية من فعل كل شيء، يعيش المثقف «حفلة التفاهة» 
في «مرثية البكاء» على حالة الإسلام السياسي، باعتباره ثرثرة لطخت نفسها بالدم، منتظرةً عودة غودو.