أولوية الأمن الخليجي: تحديات غير مسبوقة 

يوسف الديني

 تواجه السعودية اليوم والخليج معها تحديات كبيرة وغير مسبوقة، حيث تسعى المملكة جاهدة إلى فرض أولويتها في المرحلة المقبلة المتمثلة في تدعيم الاستقرار السياسي على أنقاض التحولات الكبرى في ملف الإرهاب ومكافحة العنف ونبذ كل دعوات التثوير السياسي، وهو ما يعكس سياسة الحزم التي أطلقها الملك سلمان في أكثر من اتجاه بدأت بعاصفة الحزم وصولاً إلى الحرب الشرسة ضد منابع الإرهاب والتطرف وصولاً إلى حماية الداخل من الاستهداف.


اللحظة الراهنة لا تشبه ما سبق، حيث يعيش عالم اليوم في مستوى من التهديد عال جداً من قِبل جماعات العنف المسلح دون استثناء، والتي تمارس الآن إرهاباً فوضوياً تدميرياً يقوّض مفهوم الدول بعد أن كان ينازعها الفرصة لأخذ حيّز صغير لتمرير أجندتها الخاصة، لكن الأمر مختلف الآن تماماً؛ الإرهاب اليوم ليس لحظة عابرة، بل يسعى للبقاء والتمدد عبر إعادة بعث مشروعه التدميري بعد أن كان أكبر مطامحه الضغط على الأنظمة العربية عبر استهداف مصالح الولايات المتحدة أو المصالح الغربية، لكن أسلوب إدارة الحرب على الإرهاب وتحول أجندة الجماعات الإرهابية من استهداف الخارج إلى الداخل سيكون له تأثيرات عميقة على مسار العمليات الإرهابية استناداً إلى تجربة «داعش» التي أهملها العالم فترة طويلة من الزمن إضافة إلى إرهاب الأقليات المتطرفة التي تستيقظ في محاولة لإشعال المشهد مستغلة تراجعات التنظيمات المتطرفة ذات المنزع السني، لتحل مكانها ومنها ما نشهده اليوم من صعود الإرهاب الطائفي المدعوم من ملالي طهران.
وإذا كانت المملكة ودول الخليج المستقرّة التي ترفع أولوية مكافحة التطرف والعنف إضافة إلى التحديات التي تشهدها مصر وليبيا ودول المغرب العربي؛ فإن الوضع ما زال متأزماً في الدول الغربية التي وإن تباطأت وتيرة العمليات الإرهابية إلا أن تتبع مسار الخطاب الإرهابي إعلامياً يلحظ زياد نشاط حركة التجنيد والاستقطاب بشكل غير مسبوق، كما هي الحال مع دول في آسيا كالفلبين وبنغلاديش يحاول تنظيم داعش الذي يتحول إلى موجة معولمة عابرة للحدود إرساء قواعده فيها بعد أن تضاعفت فرص نكوصه في دولة خلافته المزعومة في الشام والعراق.
العنف اليوم يحضر كأداة سياسية ومكون اجتماعي لفئات خرجت عن سلطة القانون، وليس مجرد فعل لأشخاص مغرر بهم يسعون إلى الانقياد غير الواعي نحو شعارات آيديولوجية كما هي الحال في عنف العقود السابقة الذي كان أشبه بعلاقة متوترة مع النظام القائم وليس كمنهجية تدميرية تسعى إلى المساس بأمن الدولة في جذره العميق.
هذه الأشكال المتعددة والتمظهرات المتباينة للإرهاب، تقتضي تحديثاً في كل التصورات القديمة بداية من تعريف الإرهاب إلى أنواعه؛ إرهاب الدولة، إرهاب المنظمات، إرهاب الفوضى، إرهاب الأقليات الدينية والطائفية، وأزعم أنه يمكن الحديث اليوم عن أكثر من 30 شكلاً مختلفاً للعنف المسلح ومئات التنظيمات التي تحتاج إلى قراءة مختلفة بسبب الاختلاف في السياق والأهداف لا سيما بعد «تغول» الجانب السياسي في الدافع الإرهابي الآن، وحتى مقاربة التنظيم الواحد تختلف بحسب مناطق وجوده، كما أن خصوصية المكان تطغى على كثير من التنظيمات الأخرى كما هو الحال في الإرهاب الحدودي في سيناء إو الإرهاب الجهوي من فئة شاذة في العوامية تحاول أن تكون حجر عثرة تجاه المشروعات التنموية الطموحة التي تقوم بها الدولة لأهل القطيف؛ فهذه الاختلافات والتنوعات تلقي بعبئها الأمني والاستراتيجي على المناطق التي تستهدفها، وعلى حالة الاستقرار، لا سيما مع تصاعد موجة التجنيد والاستقطاب للكوادر الجديدة التي يفرزها الواقع المحبط بكميات غير مسبوقة، ولا شك أنها جزء من إفرازات الخطابات التعبوية السياسية التي تقودها دول متهورة، وهو ما يجعلنا نؤمن تماماً أن موقف الدول الأربع الداعية إلى محاربة الإرهاب (السعودية ومصر ودولة الإمارات والبحرين) تجاه نظام قطر أبعد من التصورات الناعمة للدول الغربية التي لا تزال تتعامل مع دبلوماسية مع تجاوزات الأنظمة تجاه ملف استغلال الارهاب والعنف المسلح لصالح ملفات سياسية إقليمية عالقة بعد الربيع العربي.
الدول المستفيدة من الإرهاب، أو غير المتضررة منه، أو التي تعتقد أن تحول وجهة الإرهاب من العدو البعيد إلى العدو القريب، مقارعة الأنظمة (فكرة الانزياح من مقاومة الغرب لمقاومة الأنظمة ذاتها لا تقرأ المشهد العنفي في صورته الكلية والمتمثلة في استهداف الأمن الوطني).
والحال أن المجتمع الدولي يجب أن يدرك أن إرهاب اليوم تحول أسلوب حياة، وليس فكرة شاذة أو طارئة وخرائب العنف تحظى بدعم وإعجاب بعض الخطابات السياسية الثورية التي تحلم باستعادة لحظة الربيع العربي ولو عبر شرعنة عنف هذه الجماعات المتطرفة وإعادة بعثها في الداخل والخارج.