جبريل العبيدي

 «قطر تتجه نحو النار الهادئة» هذا ما جاء في تعبير وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، أنور قرقاش؛ مما ينبئ بأن الأزمة مع قطر ستستمر من دون تردد، بل هناك أكثر من ذلك من تصعيد للعقوبات وإجراءات أخرى ضدها، وبخاصة بعد عودة ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركية بخفي حنين من سفرته إلى قطر، رغم تلونها بتوقيع مذكرة تفاهم، يمكن لقطر القفز عليها؛ لأنها لا تحمل أي مطالب محددة، ولا خطة عمل، ولا آلية رقابة، ولا حتى فترة زمنية للتنفيذ؛ مما يجعلها محاولة من تيلرسون للتسويق لسفرته.

التعاطي القطري مع الأزمة لا يزال رهيناً للغيبوبة السياسية، بل وحتى للفصام السياسي والتناقض والتصادم مع الحقائق والهرب بها إلى الأمام، ومحاولة الالتفاف عليها والاستقواء بالأجنبي؛ مما يعكس حالة من المراوحة تتنبأ باستمرار الأزمة، وأن قطر لا تزال بعيدة عن أي اتفاق أو توافق أو حتى تفاهم سياسي مع جيرانها ومحيطيها الإقليمي، ولا تزال قطر والنظام القطري يراهنان على أطراف أخرى لها مشروعات ضارة بالمنطقة، ومنها النظام الإيراني المتمثل في نظام المرشد وولاية الفقيه الذي لم يتوقف عن تصدير «الثورة» الخمينية والمذهب الشيعي في محيط سني كبير يشمل قطر نفسها؛ مما يشكل تناقضاً عند النظام القطري في تحالفه مع دولة مثل إيران الداخلة بكل ثقلها في شؤون المنطقة، في محاولة منها لزعزعة استقرارها؛ مما يجعل قطر هذا البلد الصغير كالمستجير بالرمضاء من النار، وهذا فيه أكبر خطر على قطر من هذا المد الإيراني، الذي سيبتلع قطر، وهو الذي ابتلع قبلها منطقة عربية أكبر من قطر نفسها، وهي الأحواز العربية، التي يفوق عدد سكنها سكان قطر عشرات المرات، فلا يمكن الصمود أمام زحف ديموغرافي ضخم متسلح بترسانة عسكرية في ثوب ديني.
ففي عرقلة النظام القطري للوساطة الكويتية، والإعلان عن استعداده لمناقشة شروط التفاهم وبنوده في الوقت نفسه انعكاس لحالة من التخبط، وعدم بلورة موقف حاسم، بل يعكس عدم جدية عند النظام القطري في حلحلة الأزمة، والتوقف عن لعب دور الحاوي، وإخراج الثعابين من الجراب، فقد سبق له أن تنصل من تعهدات مكتوبة بخط اليد وموقّعة من الأمير نفسه، تضمن إقراراً بالأزمة، والتعهد بعدم الاستمرار فيها، لكن سرعان ما نكثت قطر عهدها.
النظام القطري لا يزال يعول على ما يظنه «حياد» الموقف الأميركي من الأزمة، رغم تصريحات ترمب الجريئة التي وصف فيها قطر بالممول التاريخي للإرهاب، إلا أن النظام القطري وجد في تعاطي وزير خارجية أميركا تيلرسون بعض المتنفس، وبخاصة أن الدوحة تعول على أدوارها التي لعبتها لمصلحة الخطط الأميركية في المنطقة في عهد إدارة أوباما وتابعته هيلاري كلينتون - عرابة مشروع توطين الإسلام السياسي، وأتباع البنا وقطب في الشرق الأوسط، أثناء مشروع الفوضى المسمى «الربيع العربي»، الذي انتهى بتدمير دول عربية، وزعزعة الاستقرار في مصر وتونس، والتآمر على بقية الدول العربية، لـ«التمكين» لحكم الإخوان.
النار الهادئة التي عبّر عنها أنور قرقاش ستلتهم قطر ما لم تسارع إلى إطفاء الحرائق التي أشعلتها بالكامل، وتكف أيدي الإخوان العابثة بالمنطقة. أجل، الأزمة ستكون مديدة ما لم تنقذ قطر نفسها وتستسلم وترفع الراية البيضاء، وتعترف بفداحة ما قامت به، أو ما أكرهها الإخوان على فعله من دمار وفوضى عارمة في المنطقة كلها، وتستفق من أوهامها وأحلامها البائسة.