عبدالله بشارة

عبّر سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد عن مشاعرنا جميعاً عندما تحدث عن المرارة والتأثر البالغ للتطورات غير المسبوقة التي يمر بها البيت الخليجي، مؤكداً أنه لن يتخلى عن مسؤوليته التاريخية مع الوفاء المبدئي إلى أن يتم تجاوز هذه التطورات، وانجلاؤها عن سماء الخليج، وتعود المحبة والألفة إلى البيت الخليجي الذي سيبقى وحده قادراً على احتواء أي خلاف ينشأ في إطاره.


ويضيف سمو الأمير بتأكيد عزم الإرادة على معالجة الوضع، مستوحياً التأييد التام لمساعيه، لاحتواء هذه التطورات، من ملاحظته للمؤازرة الوطنية الخليجية الشاملة التي نقلتها القنوات وشبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة.
ويشخص سمو الأمير قوة الترابط التاريخية بين دول المجلس مصيراً ومستقبلاً، مدافعاً عن مسيرة المجلس المباركة بما حققته من إنجازات تمثل الخيار والتطلعات المنشودة لأبناء المنطقة التي لا يمكن التفريط بها والتي تستدعي الحفاظ عليها والتمسك بها.
يظل سمو الأمير محافظاً على حميميته وتواضعه في علاج القضايا المؤلمة التي انفجرت، في ظروف تتسم بالدقة والحيرة، ويخرج سمو الأمير عن سكوته في بيان يترجم حقيقة المشاعر التي تتسيد أبناء المنطقة، من رجل يتميز بتاريخ معاصر لولادة المجلس، مشاركاً فعّالاً في بنائه، مراقباً لمسيرته، ومصححاً مواقع ضعفه، متعايشاً مع أهدافه، مدافعاً عن سلامته، ملماً بإنجازاته، مؤمناً برسالته، مقتنعاً بقدرته على تحقيق الأهداف التي جسّدها النظام الأساسي للمجلس.
عاش سمو الأمير متجولاً في عواصم العالم، مبشراً بمزايا حقبة المجلس، وتواجد في مقاعد المجلس من ولادته، وأظهر رعاية خاصة منذ بدايته، وراقب بكل اهتمام مساراته، ووجه المسؤولين فيه نحو الدرب الصحيح، وتفاعل حيوياً في مداولاته، وظل وفياً لحضور كل محفل، ولم يتردد أبداً في القول الحكيم.
هذه حقائق يصيغها من صار أميناً عاماً للمجلس لمدة اثني عشر عاماً، استمع فيها إلى فضائل النصح من قائد مؤسس، ومن مشيد قانع بأن مجلس التعاون قدر الخليج، المحافظ على تراثه، والحاضن لآماله، والواعي لمؤشرات التطوير والتجديد، والذراع المتينة للجميع، والحضن المريح لكل طرف، والصوت القوي المرسخ لمقام المجلس والمستعرض لإنجازاته.
بعد 36 سنة من انطلاق المجلس، وارتفاعه في فضاء الكون السياسي والحياتي ونجاحه في تعميق أعمدة الاستقرار والبقاء الجماعي، وبعد أن صار لدى العالم اليقين بملاءة هذا المجلس، السائر بالعقل، والمتزن بالحكمة، والمعتدل عند الشدة، والشريك المؤثر في ازدهار الكون والمحافظ على شرف الكلمة، والواعي لواجباته العالمية، والوفي لمبادئ الشراكة الإنسانية في هدوء السياسة وفي ثمار التنمية، والمتفاعل مع طموح الفقراء، والمدافع عنهم في حضور الأغنياء، لكل ذلك جاءت الهبة العالمية متأثرة بالخلاف الخليجي، مندهشة من حدة الغضب، ومستغربة من ثقل الاتهامات، ومتسائلة عن تلك المسببات التي لم تذعن لحكمة الرواد، ولم تلتئم مع أمانيهم في سرعة الحل، فجاءت الوفود من الكبار المدركين لحساسية القضية على الكل، في الخليج وفي أوروبا، وفي تلك المناطق الحالمة بعيشة أفضل.
أهل الخليج يملكون بضاعة لا يعيش العالم من دونها، ارتاح هذا العالم لإدارة مسؤولي الخليج لمنابع النفط، فهم ليسوا من الطائشين بالكلمات وليسوا من مسوقي أفكار الهدم والتخريب، هم أحرص من غيرهم على نظام عالمي فيه الاستقرار والازدهار، وفي ومخلص لقواعد التنمية الإنسانية سلوكاً وعطاء.
طبعاً، مجلس التعاون يتألف من دول فيها اجتهادات، ومهما كانت حدتها لا تبرر المقاطعات ولا الخصومات، كان المرحوم الملك فهد دائماً يردد نختلف ولكن لا ضرر ولا إضرار، اختلافات لها وسائل الحل المناسبة من دون الغثيان والصراخ والتلاكم الإعلامي.
من حق العالم أن يتحرك تجاه الخليج، صاحب الاستثنائية الجيولوجية المتحكمة بحركة السير التنموي.
صرخة سمو الأمير وضيقه شرعيان، ولكن الأمل يبقى مع مواصلته السعي والتحرك، مبعداً العواصف عن البيت الخليجي، ومستثمراً الحكمة التاريخية لتجاوز مأزق اليوم.