عبدالله محمد الشيبة

 تداولت وكالات الأنباء في الثالث والعشرين من شهر مايو الماضي تصريحات للشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، أثناء حضوره مناسبة عسكرية في الدوحة تناول فيها عدة قضايا، لكن من أبرز ما قاله كان كيله المديح لإيران، واصفاً إياها بأنها «تمثل ثقلاً إقليمياً ‬وإسلامياً ‬لا ‬يمكن ‬تجاهله، ‬وليس ‬من ‬الحكمة ‬التصعيد ‬معها، ‬خاصة ‬أنها ‬قوة ‬كبرى ‬تضمن ‬الاستقرار ‬في ‬المنطقة ‬عند ‬التعاون ‬معها، ‬وهو ‬ما ‬تحرص ‬عليه ‬قطر ‬من ‬أجل ‬استقرار ‬الدول ‬المجاورة». ‬وتلا ‬ذلك ‬قطع ‬كل ‬من ‬المملكة ‬العربية ‬السعودية ‬ودولة ‬الإمارات ‬العربية ‬المتحدة ‬ومملكة ‬البحرين ‬وجمهورية ‬مصر ‬العلاقات ‬الدبلوماسية ‬بينها ‬وبين ‬قطر.

وشخصياً أعتقد أن تلك التصريحات كانت بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، لكنها لم تكن مفاجئة للدول الأربع أو المتابعين للعلاقات القطرية الإيرانية عن قرب خلال العقدين الماضيين. وبالتالي كانت التصريحات تعكس ذروة الخلافات السياسية والأمنية بين الدول الأربع وقطر فيما يتعلق بالنظرة تجاه إيران، إذ يراها جانب تمارس أدواراً إرهابية تقوض أمن المنطقة الخليجية بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام، وهي الحقيقة بالفعل، وجانب آخر يعتبرها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة!

وفي الوقت نفسه لم يمثل الارتماء القطري في أحضان العدو الفارسي مفاجأة للعديد من المراقبين؛ لعدة أسباب، منها الخلافات بين الدوحة والرياض حول العديد من القضايا الإقليمية، ورغبة الأولى في الاستقواء بإيران لمواجهة الثانية، والعلاقات السرية التي ربطت قطر بإيران فيما يتعلق بدعم الجماعات الإرهابية مثل «الإخوان المسلمين» و«حزب الله» والحوثيين.. وغيرهم، وسعي قطر للقيام بدور إقليمي يتجاوز مكانتها السياسية والجغرافية بالارتكاز إلى دعم إيران.

لكني أعتقد أن التقارب القطري الإيراني يعود إلى سبب آخر يرتكز أساساً إلى التماثل القوي بين سياسة إيران الخارجية بعد «ثورة» الخميني عام 1979 وبين سياسة قطر الخارجية بعد انقلاب حمد بن خليفة آل ثاني على والده عام 1995، وبالتحديد فيما يتعلق بتصدير الأفكار الإرهابية وبث الفتن ودعم التنظيمات الإرهابية المتطرفة بهدف زعزعة الاستقرار في دول الجوار. ومن جانب آخر يمثل التغلغل الإيراني في الداخل القطري فرصة لطهران للحصول على مزيد من التنازلات القطرية فيما يتعلق بإنتاج حقل غاز الشمال الذي يطلق عليه الإيرانيون اسم «جنوب فارس» وهو من أكبر حقول الغاز في العالم.

أضف إلى ذلك قيام الدوحة بدور استخباراتي استراتيجي بارز لتزويد طهران بالمعلومات السرية التي يطلع عليها المسؤولون القطريون بناءً على عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي. وفي الوقت نفسه تعكس قطر أهمية كبرى لإيران؛ نظراً للعلاقات القوية التي تربط الدوحة بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة في سوريا وغيرها من الدول العربية. كما أن الموقع الجغرافي لقطر وقربها من مملكة البحرين، التي طالما كانت محط المطامع الفارسية في الخليج العربي، يمثل أهمية استراتيجية لإيران في حال استطاعت نشر قوات عسكرية لها فوق التراب القطري.

وفوق هذا كله، تعكس الدعوة القطرية الصريحة لإيران لتطوير العلاقات الثنائية، بما فيها العسكرية، لمواجهة الأشقاء، سابقةً لم تحدث من قبل من دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي. وبالتالي فإن تطور العلاقات الإيرانية القطرية بشكل عام، والوجود العسكري الإيراني في قطر بشكل خاص، يمثل تهديداً بالغ الخطورة لأمن دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

لذلك تنظر إيران لقطر باعتبارها «كعكة» لن تبذل في سبيل الحصول عليها مزيداً من الجهد، ولهذا كان الإجراء الذي اتخذته السعودية والإمارات والبحرين بقطع علاقاتها مع قطر وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية معها، في رأيي، إجراء استباقياً شديد الأهمية لحماية الأمن الوطني لهذه الدول. ويبقى التساؤل الأهم: هل يرضى الشعب القطري الشقيق بأن يسيطر الفرس على مقدراتهم وسيادتهم لتهديد أشقائهم في مجلس التعاون الخليجي؟