سمير عطا الله

 هي أيضا سميت، في مرحلة ما، «أجمل امرأة في العالم». وقبل أن تدخل السينما عصر الحداثة، أي الإباحة، كانت آفا غاردنر تلوي أعناق الرجال، في القصص السينمائية، وفي الحقيقة، أحدهم كان فرانك سيناترا. زاد في شهرتها أنها مثلت أهم روايات إرنست همنغواي، الذي كان هو أيضاً أشهر الروائيين في تلك المرحلة. والواقع أننا كنا نحضر أفلامها بسبب همنغواي أكثر مما بسببها. أو هكذا كنا ندّعي على الأقل.

نشأت غاردنر في إحدى مزارع القطن في نورث كارولينا لعائلة فقيرة. وفقدت والدها وهي في الخامسة عشرة من العمر. وتزوجت إحدى شقيقاتها من مصور فوتوغرافي في نيويورك، خطر له مرة أن يضع صورة آفا في واجهة المحل. «كشاف مواهب» يعمل لصالح شركة مترو غولدوين ماير، دخل وطلب عنوانها. الباقي غير مفاجئ.
مهما كان «العالم صغيراً»، كيف لي أن أتعرف إلى آفا غاردنر خارج صالة سينما، أو شاشة تلفزيون؟ كان سكننا في لندن في منطقة «كوينز غيت» القريبة من هايد بارك. وعلى مقربة منا كان يسكن أحمد بهاء الدين في اينزمور غاردنز.
كان من عادة بهاء أن يتصل فور عودته إلى لندن من أي مكان، فألاقيه أمام منزله، ونمشي معاً إلى صالة فندق، أو مقهى. وذات مساء قلت له، كم تتشابه الوجوه في هذا العالم، ففيما كنت أنتظرك، مرت بي سيدة تشبه آفا غاردنر شبهاً عجيباً.
وضحك بهاء ضحكته المعتادة وقال: في المرة التالية تأمل أكثر. إنها النسخة الأصلية! سواء لمقابلة بهاء أو للتمشية اليومية، أصبحت أتعمّد المرور أمام 34 «اينزمور غاردنز». وأعترف أنني كنت أفكر كصحافي، لا كمعجب. أردتُ أن أعرف مدى التغيير الذي يطرأ على سيدة كانت توصف بأنها «أجمل امرأة في العالم».
المرأة العادية المظهر، مع كل ما بقي من مسحات الجمال، كانت قد أصبحت في نحو الستين من العمر. وكانت ترد التحية بسرور واضح. ثمة من لا يزال يتعرف إليها في هذا الحي الهادئ. وسواء في الحي، أو حيث أصادفها أحياناً في الهايد بارك، لم أكن أزيد على التحية. كنت أشعر أنها تعيش في عالم مُغلق، لا تريد أن يقتحمه الفضوليون. وربما كنت مخطئاً. وقد شعرت بالندم.
إلى اللقاء...