زهير الحارثي

إشكالية قيادة قطر في آلية التفكير كونها تتمسك بما تؤمن به من تصورات ومفاهيم، ولا تتوانى عن إصدار أحكامها. وتتعجب من سلوكها لاسيما فيما يتعلق بقناعاتها بغض النظر عن الحقيقة أو مصلحة شعبها أو ما يمس أمن المنطقة واستقرارها..

هذه عبارة شهيرة قالتها عشيقة لويس الرابع عشر ولكنها تكشف جانبا عن طبيعة العقل البشري حينما تتضخم الأنا إلى آخر مدى، وتصل المكابرة إلى أعلى مستوى بتجاهل حقيقة الأشياء. المتابع لما يجري يرى أن هذا المبدأ الأناني ينطبق أيضا على سلوك دول كدولة قطر. إسقاط النموذج القطري هنا دقيق لوجاهته ولكون ممارساته تتسق مع مضمون العبارة. نحن لا نجلد الذات السياسية القطرية بقدر ما نعكس واقعا حيا وملموسا ومعاشا. في التسعينيات بدأت فكرة بلورة إستراتيجية للسياسة القطرية بقيادة الحمدين ودُشنت فعليا على الأرض لحظة انقلاب الابن حمد على الأب خليفة. كان التوجه آنذاك صناعة نفوذ وحضورا دوليا وتأثيرا سياسيا لدولة لا تملك كثيرا من المقومات. يبدو أن ما جعل المشروع السياسي ينضج بسرعة هو اكتشاف كميات غاز تجارية مأهولة ما يعني توفر موارد مالية كبيرة للصرف. طبعا هو حق مشروع لأي دولة بأن تفكر في لعب أدوار وخلق مساحات لها ولكن على أي قاعدة وفي أي اتجاه وتحت أي مظلة ومشروعية: هذا هو السؤال المفصلي؟ الحقيقة والمثير للاستغراب أن المشروع القطري كان عبقريا في توليفته ولكنه ميكافيليا وانتهازيا ونفعيا في مضامينه. الهدف مغر لتحقيقه ولكن التكلفة باهظة في حال انكشافها. كانت الخلطة العجيبة تتمثل في معادلة رباعية الأبعاد: قاعدة عسكرية وقناة إعلامية وأيديولوجيا دينية وملاذ آمن للمعارضين والمارقين.

عقدوا صفقة مع الأميركان، الحماية مقابل قاعدة العديد وبتسهيلات غير مسبوقة. كان يعلمون مسبقا أن سياساتهم ستسبب لهم كثيرا من المشاكل ولن تلقى رواجا ما يعني تعرض بلادهم لتهديدات خارجية أما القوة الناعمة فكانت تعني وجود قناة الجزيرة وفق خطة إعلامية محكمة للتأثير والسيطرة وقد قاموا مباشرة بتوظيف موظفي البي بي سي العربية الذين فصلتهم قناة أوربت آنذاك واستضافة أي معارض أو هارب من العدالة في بلاده للاستفادة منه لاحقا كما حدث مثلا مع الغنوشي التونسي وبلحاج الليبي والقرضاوي المصري وغيرهم وأخيرا دعم أيديولوجيا ثورية كحركات الإسلام السياسي تساهم في هيمنة السلطة القطرية على العالم العربي وفعلا تم ترويج جماعة الإخوان المسلمين في العالم الغربي كبديل للأنظمة العربية الموجودة فاستغلتهم بامتياز أيام الثورات العربية2011.

هذه العناصر الأربعة نجحت في إعطاء قطر زخما عالميا وأصبح اسمها يتردد في أرجاء العالم ولكنه جاء من خلال دعم الجماعات الإرهابية والمعارضين للأنظمة الشرعية وعلى حساب ودماء الأبرياء في دول ما سمي بالربيع العربي.

أذكر قبل أكثر من عقد، وبعد عودة العلاقات السعودية القطرية إلى طبيعتها بعد مرحلة من مراحل تأزم العلاقات بين البلدين، أنني سألت وقتها مسؤولا رفيعا عن مدى قناعته بالتزام القطريين بالتفاهمات وشروط المصالحة. أجابني: من التجربة والتاريخ هؤلاء ليس لهم أمان ولن يلتزموا بتنفيذ أي قرارات لأن هذا ديدنهم ونهجهم وتلك عاداتهم وأساليبهم لا يستطيعون الانفكاك منها مهما أظهروا من الود والابتسامات والتعهدات والالتزامات. وفعلا تبين للجميع لاحقا صحة رؤية المسؤول الكبير وحدسه كونه الأكثر اطلاعا واستيعابا عبر العقود الماضية لفهم أبعاد وسيكولوجية أصحاب القرار في تلك الدولة، والمتابع لما يجري يشعر أنه كان كمن يقرأ المستقبل من بلورة سحرية.

إشكالية قيادة قطر في آلية التفكير كونها تتمسك بما تؤمن به من تصورات ومفاهيم، ولا تتوانى عن إصدار أحكامها. وتتعجب من سلوكها لاسيما فيما يتعلق بقناعاتها بغض النظر عن الحقيقة أو مصلحة شعبها أو ما يمس أمن المنطقة واستقرارها. قاموسها على الأقل في الخفاء لا يعير اهتماما للقيم والمبادئ، والسير لغاياتها بغض النظر عن مشروعية مسلكها ولا تعترف بأخطائها بل تصر على قناعاتها ما يعني الهروب للأمام. واضح أن كيل الدول الأربع قد طفح وإشكالية الدوحة أنها ترغب في لعب دور إقليمي أكبر من قدراتها الفعلية.

"أنا وما بعدي الطوفان" سلوك شاذ وأناني لا يستحقه الشعب القطري من قيادته بدليل أنه لا توجد مؤشرات بقبول الدوحة بما جاءت به الوساطة الكويتية ولم نلمس رغبة جادة في تغيير السياسات المتناقضة. على قطر أن تحسم أمرها وتبين موقفها، فهل هي فعلا ضد الإرهاب وتحاربه أم أنها تدعمه وتموله وبالتالي تتحمل تبعات قرارها أيا كان؟