جمال عبدالجواد

عندما يحاول الرئيس الأمريكى وضع قيود على حركة السفر واللجوء القادمة من بلاد ذات غالبية مسلمة، فالرئيس ترامب يفترض وجود علاقة بين المسلمين والإرهاب. عندما تمنع الولايات المتحدة الركاب القادمين من بلاد ذات أغلبية مسلمة من حمل أجهزة الحاسب الشخصية معهم على الطائرات المتجهة إلى الولايات المتحدة، فالقرار يفترض علاقة من نوع بين المسلمين والإرهاب. 

فى الوقت الراهن لا يمكن إنكار الصلة بين المسلمين والإرهاب. مقياس الإرهاب الدولى يبين أن خمسة من بلاد المسلمين، هى العراق وأفغانستان ونيجريا وباكستان وسوريا، تتصدر وتسبق كل بلاد العالم من حيث عدد حوادث الإرهاب التى وقعت فيها. فى هذه البلاد الخمسة مات 72% من ضحايا الإرهاب فى العالم عام 2015، وهو نفس العام الذى كانت فيه أربع من الجماعات التى ترفع راية الإسلام، هى داعش وبوكوحرام وطالبان والقاعدة، مسئولة عن 74% من إجمالى ضحايا الإرهاب فى العالم. 

لكن هذه الأرقام لا تفسر طبيعة الصلة بين المسلمين والإرهاب، وما إذا كان الأمر يتعلق بالإسلام كدين وعقيدة، أم أنه يتعلق بالمسلمين كجماعة بشرية ذات خصائص اقتصادية واجتماعية وثقافية معينة، أم يتعلق ببعض شعوب المسلمين التى تعرضت لظروف تاريخية خاصة بها. 

القوميون المتطرفون فى أوروبا، ونظراؤهم فى الولايات المتحدة، يعتقدون بأن الإسلام فى حد ذاته هو مصدر الإرهاب، وأن تعاليم الإسلام تحض أتباع هذا الدين على ارتكاب جرائم العنف. يقر المتطرفون القوميون واليمينيون فى أوروبا وأمريكا بأن أغلب المسلمين ليسوا إرهابيين، ولكنهم يعتقدون بأن الإسلام فى جوهره يحض على العنف، وأن المسلمين المؤمنين حقا يجب أن يكونوا إرهابيين. يؤكد أصحاب هذه النظرة ما يعتبرونه تناقضا أصيلا بين الإسلام وقيم الحداثة الغربية، وأن الإسلام لا يمكنه بأى شكل التصالح مع قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامة المرأة وحقوقها، وأن الإرهاب هو ردة فعل الإسلام ضد علو الحضارة والقيم الغربية فى العالم، واختراقها بلاد المسلمين. 

اليمينيون الأقل تطرفا فى الولايات المتحدة والغرب، بمن فيهم الرئيس الأمريكى ترامب، يعتقدون أن الإسلام يوفر بيئة تسمح بنمو الإرهاب. «أغلب المسلمين ليسوا إرهابيين، لكن أغلب الإرهابيين مسلمون» هى العبارة التى تلخص موقف هؤلاء. هذه العبارة تعكس الواقع بدرجة كبيرة ودقيقة، فأغلب المسلمين ليس لهم صلة بالعنف والإرهاب، بينما النسبة الساحقة من الإرهابيين فى الحقبة الراهنة هم من المسلمين. ينظر اليمينيون فى الغرب إلى المسلمين بشك، ولكنهم لا يقطعون بأن كل مسلم هو إرهابي، ولكنه بالتأكيد من وجهة نظرهم- إرهابى محتمل. دين الإسلام يبقى متهما بالإرهاب فى رأى اليمين الغربي، لكنه اتهام احتمالى وليس قطعيا. 

الإرهاب ظاهرة معقدة متعددة الأسباب لا يمكن اختزالها فى أسباب قليلة وعلاقات مباشرة. التبسيط فى تفسير الإرهاب يفسد البحث الجاد ويمنع التوصل لسياسات فعالة للتعامل مع هذا التهديد الخطير. 

البلاد المضروبة بالإرهاب هى بلاد ذات أغلبية إسلامية، ولكن هناك الكثير من البلاد ذات الأغلبية الإسلامية التى عافاها الله من خطر الإرهاب. فى مقابل العراق وأفغانستان ونيجريا وباكستان وسوريا، الأكثر تضررا من الإرهاب، يوجد ماليزيا والسنغال وبنجلاديش وكازاخستان وألبانيا، التى تعتبر من أقل الدول تعرضا للإرهاب. الأمر إذن لا يتعلق بالإسلام كدين، ولا بالمسلمين كجماعة دينية لها سمات ثقافية وقيم مشتركة، ولكنه يتعلق بمجتمعات تمر بظروف سياسية واجتماعية معينة. بعض البلاد المعافاة من الإرهاب لها إنجاز مشهود فى مجال التقدم الاقتصادى مثل ماليزيا، والبعض الآخر يعانى الفقر مثل بنجلاديش، فالأمر إذن لا يمكن اختزاله فى ثنائية الفقر والثراء. بعض هذه البلاد فيه ديمقراطية بادئة مثل السنغال وألبانيا، بينما بعضها الآخر تحكمه نظم تسلطية مثل كازاخستان، فالأمر إذن لا يمكن اختزاله فى ثنائية الديمقراطية والاستبداد. الفقر والاستبداد والتفاوت الاجتماعى كلها أمراض اجتماعية وظواهر سلبية يرجح أنها تسهل ظهور الإرهاب، لكن من الصعب القول بوجود علاقة سببية مباشرة وبسيطة بين أى من هذه العوامل والإرهاب. 

.أغلب الإرهابيين مسلمون، وكذلك أغلب ضحايا الإرهاب أيضا، فالإرهاب يمثل حرب بعض المسلمين ضد بعضهم الآخر، قبل أن يكون حرب المسلمين ضد غير المسلمين. المسلمون منقسمون حول الطريقة التى يمكنهم وفقا لهم إدارة شئونهم فى عالم يتسيده غير المسلمين، وهذا هو الانقسام الأكبر بين المسلمين. أغلب المسلمين اختاروا التوفيق بين الحضارة الحديثة والإسلام، بينما أقلية متشددة ترفض التوفيق، وتستخدم الإرهاب لفرض تفسير حرفى فظ للإسلام. كلما نجح أهل التوفيق والمصالحة بين الإسلام والحداثة كلما قلت فرص الإرهاب، والعكس صحيح، لكن تظل لكل قاعدة استثناءات. 

أغلب المسلمين يشعرون بنوع من الغصة وعدم الارتياح تجاه العالم الحديث بسبب تأخر مكانة المسلمين ومركزهم فيه. الحضارة الإسلامية هى الحضارة القديمة الوحيدة التى تعانى التهميش فى العالم الحديث، بينما نجحت حضارات العالم القديم البارزة فى انتزاع مكان لها فى العصر الحديث. ورثة الصين والهند واليابان وإسرائيل القديمة نجحوا فى تحقيق ما فشل ورثة الحضارة الإسلامية فى تحقيقه، الأمر الذى يسبب جرحا فى الكبرياء الجمعية للمسلمين. 

المسلمون العرب فى الشرق الأوسط هم أصل حضارة الإسلام وبناة دوله الأولى الأكثر ازدهارا وقوة، الأمر الذى يجعلهم يشعرون أكثر من غيرهم من المسلمين بأنهم الورثة الشرعيون لحضارة الإسلام. بقدر ما ينتسب المسلمون العرب فى الشرق الأوسط لدول الإسلام المبكرة المزدهرة، بقدر ما يتألمون بسبب مكانة المسلمين الهامشية فى عالم اليوم. جرح الكبرياء الجمعية الغائر فى نفوس المسلمين العرب يسهل على فقهاء التطرف التلاعب بعقد الذنب والشعور بالإهانة السائد بين هؤلاء. 

إحياء دولة الخلافة الإسلامية القديمة هو مجرد وهم وحلم يقظة يداعب خيال مهووسين متطرفين. لكن تحويل بلاد المسلمين، فى الشرق العربى وخارجه، إلى دول وطنية ناجحة اقتصاديا، يحكمها أهلها بطريقة ديمقراطية، تحترم كرامة الإنسان، هو حلم مشروع وقابل للتحقيق. وهذا هو الطريق لمكافحة الإرهاب.