سلطان محمد النعيمي

 تتنوع الأزمات وتتشعب مشاربها من حيث التأثير وطرق حلها. فكلما كانت الأزمة بسيطة أصبح فك شيفرتها وعقدتها أسهل بكثير، عن تلك التي إن جاز لنا التعبير وصفها بـ«الأزمة المركبة».
بعد قيام كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين بقطع العلاقات مع قطر، ظهرت الأزمة القطرية. بدايتها هي أزمة ولكنها ليست مركبة، وسهولة حلها تتمثل في أمر بسيط للغاية، وهو قراءة استراتيجية معمقة من قبل القيادة في قطر لتقدير الموقف، وإدراك أن ما قامت به الدول المقاطعة هو لعدم امتثال القيادة في قطر لاتفاق الرياض والاتفاق التكميلي في 2014، وتنتهي الأزمة فقط عند مسافة 583.7 كيلومتر.

نسير مع القارئ الكريم لتبيان أبعاد الأزمة المركبة، وكيف هو الحال بالنسبة للأزمة القطرية.
حين نشير إلى مصطلح «أزمة مركبة» فإن ذلك يصدق على كثير من الأزمات، سواء كانت في المنطقة أو تتسع دائرتها لتلامس أزمات إقليمية ودولية. تتضح ملامح الأزمة المركبة بشكل عام حين لا يقتصر حلها على المستوى المحلي، وتدفع باتجاه وجود عوامل متعددة ولاعبين كثر، حينها تصبح مسألة معالجة هذه الأزمة والوصول إلى حلول أمراً صعباً ومعقداً، للوصول إلى نقاط التقاء ترضي جميع الأطراف.
هذا الأمر يصدق على الأزمة السورية على سبيل المثال، فهي بلا شك نموذج للأزمة المركبة التي تدخل فيها أطراف عدة. فلم يعد لتلك الأزمة بُعد محلي فحسب، والذي هو في الوقت ذاته منقسم على نفسه، بل أصبح للبعد الإقليمي والدولي تأثير واضح على هذه الأزمة. ولتحقيق انفراجات للأزمة السورية فإنه لا مفر من تحقيق مقاربات بين اللاعبين على مختلف الأصعدة، أملاً في الوصول إلى حل لهذه الأزمة.
الحقيقة أن التدخل المباشر من قبل اللاعبين الدوليين المؤثرين في الأزمة السورية، والسعي لتحقيق المقاربات يفضي بدوره إلى إضعاف ربما للعامل الإقليمي والمحلي، وهو ما يبدو جلياً إلى حد بعيد بعد وصول تفاهمات بين روسيا وأميركا في سوريا، والذي تمخض عنه وقف لإطلاق النار في جنوب غربي سوريا. تبقى الأزمة المركبة في سوريا إذن رهناً بعوامل عدة.
وماذا عن الأزمة القطرية؟ يتساءل القارئ.
حين ننظر إلى الأزمة القطرية، فإنه من حيث المبدأ هناك أربع دول هي مصر والسعودية والإمارات والبحرين، أعلنت مقاطعتها لدولة قطر، وبالتالي يمكن القول إن هناك فقط لاعبين رئيسيين في هذه الأزمة حتى وإن تعددت الدول. ما يؤكد على ذلك أنه وفي مقابل الصوت القطري هناك صوت واحد فقط قادم من الدول المقاطعة الأربع يمثل الجميع. هذا الصوت إما تجده من خلال بيانات الدول الأربع أو من خلال مسؤولي هذه الدول الذين يمثلون ذلك الصوت الواحد.
وماذا عن البُعد الدولي لهذه الأزمة؟ ألا يمكن اعتبار هذا البُعد عاملاً في أن تتحول الأزمة القطرية إلى أزمة مركبة؟
لا شك أن البُعد الدولي له مصالح مهمة في منطقة الخليج، ويسعى بالطبع إلى الحفاظ عليها، وبالتالي الحرص على عدم التصعيد في هذه الأزمة بحيث لا تتضرر مصالحه.
بالطبع لا يشمل ذلك البُعد الإقليمي المتمثل في النظام الإيراني، الذي يتوق توقاً إلى تأزيم الموقف وخلق مزيد من الشقاق في داخل البيت الخليجي، والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى، واسألوا أهل الكويت وخلية العبدلي إن كنتم لا تعلمون.
أما عن تركيا، فإنه يمكن القول إن هناك ختلالا في مسافة الوقوف بين الطرفين.
يعود القارئ ليتساءل: إذا كان للبُعد الدولي مصالحه، فلماذا لا يمكن اعتباره عاملاً في جعل الأزمة القطرية أزمة مركبة؟
الإجابة في أبسط صورها هي: متانة موقف الدول المقاطعة، والقائم على ما يهم مصالحها ومصالح سائر دول العالم، وهو محاربة الإرهاب. هذا الأمر جعل بعض التصريحات الأولية لبعض الدول الغربية تتراجع مباشرة، بعد أن تم عرض الحقائق والأدلة على دعم القيادة في قطر لعناصر وتنظيمات إرهابية.
السبب الآخر هو انطلاق الدول الأربع من القانون الدولي الذي يكفل لها حفظ أمنها باتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة، وبالتالي فإنه ورغم تكرار الإعلام القطري لمصطلح «حصار» على تلك الإجراءات المتخذة، فإنه يدرك قبل غيره أنها «مقاطعة» وهو ما يجعله مرتبكاً في تصوير المشهد الذي يظهر فيه الإعلام القطري متخبطاً ومتناقضاً في حالات عدة.
إذا لم يكن للدور الإقليمي من تأثير على الأزمة القطرية، وكذلك الحال بالنسبة للدور الدولي، فكيف يتسنى لنا اعتبار الأزمة القطرية على أنها أزمة مركبة؟ يتساءل القارئ.
ما يجعل الأزمة القطرية تظهر في صورة أزمة مركبة، هو أنه بالإضافة إلى أنها أزمة في حد ذاتها، تأتي القيادة القطرية في افتقارها للمنظور الاستراتيجي في التعاطي مع هذه الأزمة، لتشكل هي الأخرى أزمة.
الافتقار للقراءة الاستراتيجية لا يحتاج لكثير من الجهد لالتقاطه وسط هذه الأزمة. ففي حين يرتفع مستوى المنظور للدول المقاطعة وحديثها عن جوهر الإشكالية المتمثل في دعم الإرهاب، وتدخل القيادة القطرية في شؤون الدول، ودعم تنظيمات تسعى إلى تهديد استقرار تلك الدول، لا تزال تطالعنا قناة «الجزيرة» بتصريحات وتقارير من مصادر رفعت «الجزيرة» من مصداقيتها عالياً، رغم أنها تجاهلتها حين كانت المصادر ذاتها تنتقد القيادة القطرية. يستمر الافتقار للمنظور الاستراتيجي، وإذا بقناة «الجزيرة» والإعلام القطري يسلط الضوء على تلك المصادر في ادعائها بأن وكالة الأنباء القطرية قد اخترقت من إحدى الدول المقاطعة.
يأتي وزراء خارجية ويذهب نظراؤهم للبحث عن حل للأزمة القطرية، وما زال تسطيح الأزمة القطرية سيد الموقف في أروقة الإعلام القطري.
تأتي الأزمة القطرية على أنها أزمة مركبة، حين تتغافل وتتجاهل القيادة القطرية مركز الأزمة ورافعتها الرئيسية، والمتمثلة في سنوات من السياسة القطرية التي كانت تسعى إلى التأثير سلباً على تلك الدول.
حينما خرج الشيخ تميم بن حمد أمير قطر في خطابه، مشدداً على ضرورة التركيز على الاستثمار وعلى التعليم والاقتصاد، تدرك أن الأزمة القطرية أزمة مركبة بالفعل. ففي خضم الحروب والأزمات، فإنه من المفروض أن تكون القراءة الاستراتيجية للوضع بعيدة عن الحديث عن خطط استراتيجية يتم إعدادها وتنفيذها وقت السلم، ومبنية على قراءة للوضع، سواء في السلم أو الحرب والأزمات.
الأزمة القطرية هي أزمة مركبة بالفعل، حين يطالب أمير قطر الشيخ تميم، بأن يكون أي حل تعهداً متبادلاً والتزاماً مشتركاً ملزماً للجميع. لماذا نقول ذلك؟ يتساءل القارئ، فنقول: أليس هذا ما نصت عليه الاتفاقية التكميلية في 2014، وتم التوقيع عليه من جميع دول الخليج؟ رغم أن الإشكالية في ذلك الوقت هي ذاتها اليوم، وهي القيادة القطرية، ورغم ذلك جاءت الصيغة بأنه تعاون وتعهدات من قبل الجميع.
قطر وأزمتها المركبة تحتاج إلى قراءة استراتيجية، والتي تحتاج بدورها إلى تفكير عقلاني بعيد عن الحمية غير الحميدة وشخصنة الأمور، وعندها المسافة فقط 583.7 كيلومتر.