محمد هزاع المطيري 

يبدو أن المملكة العربية السعودية بدأت تقود عملية تحول كبيرة في المنطقة، والشواهد على ذلك انطلقت من العراق، حيث شهدنا خلال الايام القليلة الماضية حركة زيارات غير معتادة لكبار المسؤولين العراقيين وآخرين من رجال الدين وزعماء أحزاب للمملكة، ونتجت عن هذه الزيارات تفاهمات تتعلق بالاستثمار والتبادل التجاري وتفاهمات أخرى سياسية تتعلق بزيادة عدد البعثات الدبلوماسية السعودية في العراق.. ونقول انها غير معتادة، لأن العراق بعد سقوط النظام البائد عاش فراغاً كبيراً استغلته دول جارة له لبسط نفوذها، وهنا نتحدث عن ايران التي وجدت في عراق ما بعد صدام مدخلاً وجسراً لها لتوسيع سيطرتها والوصول نحو ضفاف المتوسط، وهو ما تحقق الى حدٍ ما، خصوصاً بعد اندلاع الثورة السورية وتدخل إيران بشكل مباشر فيها، متخذةً من العراق قاعدة انطلاق لميليشياتها التي تحارب في سوريا.
نعم، إنها زيارات غير معتادة، لكنها فتحت باب الأمل لعودة العراق إلى مكانه الطبيعي العربي.
وهنا لا يمكن أن نخفي أيضاً الدور الأميركي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما في تعزيز النفوذ الإيراني في العراق، الذي بموجبه ابتعد العراق مسافات عن دوره العربي المعهود. فالسياسة الأميركية آنذاك، وبشكل غير مباشر، ترجمتها قرارات سيئة، كان أبرزها سحب أكثر من مئة ألف جندي أميركي كانوا متواجدين في أغلب المحافظات العراقية ويحفظون الأمن فيها، وارتأت وقتها إدارة أوباما الانسحاب لتخفيف الأعباء المالية والتقليل من خطر الهجمات ضد جنودها، مما سهل لإيران أن تملأ فراغ الأميركان.
ومنذ ذلك الحين كانت القطيعة كبيرة بين السعودية من جهة والحكومات المتعاقبة في العراق من جهة أخرى، بل وظلت هذه الحالة مستمرة من دون مبادرات لإحيائها، وبالأخص في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي تولى رئاسة الحكومة لفترتين متتاليتين أدت إلى زيادة الفجوة بين البلدين رغم القطيعة.. ولكن ومع التجربة العراقية المريرة التي مر بها خلال تلك الفترة، فإننا نجد اليوم حكومة عراقية تتطلع نحو العودة إلى عهدها العربي السابق، لكن هذه المرة من بوابة الخليج، وهو ما تمت ترجمته وتوّج بالزيارة الكبيرة من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى المملكة ولقائه بخادم الحرمين، حيث كانت الزيارة بمنزلة فاتحة خير لبناء علاقات جديدة ومتينة وستكون قاعدة لاستعادة العراق دوره في المحيط العربي.
ويبدو أن القيادة الشابة في المملكة والمتمثلة في ولي العهد قد بدأت تعمل على بناء سياسة تحوّل جديدة وبصورة مختلفة عن السابق من خلال جمع أطراف شيعية عراقية عربية كان يعتقد أن لديها ميولاً إيرانية أو أن الظروف أجبرتها على التمترس خلف النفوذ الإيراني في بلدانها، وتبين لاحقاً أن تلك الأطراف لديها من العروبة ما يكفي لأن تتخلى عن المشروع الإيراني الخطير ولديها القناعة والاستعداد للوقوف مع دولها ومحيطها العربي ضد مشروع التمدد الفارسي الذي جربت ناره الحارقة.
لذا نعتقد أن الزيارات الماراثونية العراقية للمملكة ستبشر بالخير وستحقق النتائج الإيجابية للعراق وللخليج وللدول العربية.