محمد صلاح

لا تستغرب حين تطالع وسائل الإعلام القطرية أو القنوات التي تُبث من الدوحة أو إسطنبول أو لندن، ومواقع التواصل الاجتماعي التي تقوم عليها لجان إلكترونية جيّشت جماعة «الإخوان المسلمين» مئات من عناصرها لإدارتها، وتجد هذا التركيز المبالغ فيه على الانتخابات الرئاسية المصرية المقرر إجراؤها بعد سنة! 

فالأمر ليس اهتماماً بأوضاع مصر، أو انعكاساً لقيمة الدولة العربية الكبيرة وثقلها في المنطقة، وإنما المسألة ببساطة تعكس توجهات التحالف الذي يضم قطر وتركيا و «الإخوان»، وسعيه إلى عدم إجراء انتخابات رئاسية في مصر، وتنفيذه لخطة تهدف إلى إفسادها، ليس فقط يأساً من فوز مرشح يمكن أن يدعمه ذلك التحالف أو ينفق على حملته، لكن لأن تلك الأطراف تدرك أن السيسي سيحقق الفوز في الانتخابات وبنسبة عالية أياً كان المرشح أو المرشحون المنافسون له، وكذلك لأن استقرار مصر وهدوء الأوضاع فيها، وتماسك الجيش وصلابة المجتمع المصري، كلها تمثل هزيمة كبرى لمشروع أنفقت قطر عليه كثيراً وعمل «الإخوان» من أجله طويلاً، وجاهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالعمل على تحقيقه من دون جدوى.

المحصلة أن «الإخوان» والجهات التي تدعمهم يعتقدون أن نجاح أي رئيس بعد إسقاط حكم «الإخوان» وثورة الشعب المصري على الجماعة يعني إسقاطاً للتنظيم نفسه، ودليلاً قاطعاً على فشله في حكم مصر، وهي التهمة التي تبذل تلك الأطراف جهوداً مضنية لمحاولة نفيها، بادعاء تعرض «الإخوان» لمؤامرة من الجيش أو الغرب أو الشرق، كانت وراء خلع محمد مرسي عن المقعد الرئاسي. عموماً فإن الأجواء في مصر تشير إلى أن التحدي أمام السيسي يتمثل في غياب منافس حقيقي، وكل الجهات التي تعارض الرجل اعتمدت أسلوب «الإخوان» في محاولة إفشال الانتخابات أو ضرب العملية الانتخابية، بعدما حققت، حتى الآن، فشلاً ذريعاً في التوحد خلف مرشح يستطيع منافسته.

وأقر مجلس النواب قانون «الهيئة الوطنية للانتخابات» الشهر الماضي، وصادق السيسي عليه قبل أيام، وستتولى الهيئة الإشراف على كل الانتخابات المقبلة في مصر، وسيتشكل مجلس إدارتها من عشرة قضاة، ويرأسه أقدم أعضائها من محكمة النقض. وتتمتع الهيئة وفقاً للقانون بالاستقلال الفني والمالي والإداري، وتختص من دون غيرها بإدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، وتنظيم جميع العمليات المرتبطة بها والإشراف عليها.

عملياً لا تأثير حقيقياً للأحزاب السياسية في الانتخابات الرئاسية، على رغم أن حزبي «المصريين الأحرار» و «مستقبل وطن» أعلنا نيتهما دعم السيسي، ويتوقع أن تعلن غالبية الأحزاب الأخرى دعمها للسيسي أيضاً، بينما الأحزاب التي تأسست عقب كانون الثاني (يناير) 2011 ستسير كالعادة في ركب «الإخوان»، فلن تقدم مرشحين لمنافسة السيسي، وستبدأ في الغالب معزوفة التشكيك في الانتخابات قبل أن تبدأ. حرص السيسي دوماً على عدم تأكيد خوضه انتخابات الرئاسة المقبلة، ففي كل مرة يُطرح عليه السؤال يرد أن الأمر يعود إلى «الرغبة الشعبية»، ويبدو أنه غير منشغل بمنافسيه، بقدر اهتمامه بنسب المشاركة في الاقتراع، التي من شأن ارتفاعها تقوية مركزه في مواجهة خصوم مصر في الداخل والخارج.

يهتم إعلام تحالف قطر و «الإخوان» وتركيا كل يوم بأسعار الطماطم (البندورة) وأوضاع الصرف الصحي ومعضلة تراخيص سائقي التوك توك في مصر، فقد روّج مراراً لثورة الجياع وجُمعات غضب، وسعى إلى الإساءة إلى الجيش والقضاء، وأطلق قذائف التشويه ضد السيسي، وستبدأ تلك المنصات في إطلاق حملات ضرب الانتخابات قبل أن تبدأ، والتشكيك في نتائجها قبل أن تُعلن، والاغتيال المعنوي لكل من ينوي الترشح، أما ثورجية الفضائيات وناشطو مواقع التواصل وموزعو الكآبة وناشرو اليأس بين الناس فقد فشلوا، حتى الآن، في الاتفاق على شخص ينافس السيسي، بعدما أضاعوا الوقت في محاولة الإساءة للرجل، والتهوين من كل مشروع تبناه ورأي طرحه وموقف اتخذه.

لن تكون مشكلة السيسي في الانتخابات المقبلة الرد على هجوم «الإخوان»، أو ادعاءات الإعلام القطري، أو حملات تأتيه من تركيا، وإنما ستكون معضلته البحث عن منافس!