شملان يوسف العيسى

الحملة الدولية ضد الإرهاب بدأت تعطي نتائج إيجابية على الصعيد العسكري... فالعراق الشقيق استطاع أن يحرر مدينة الموصل، وتحاصر القوات الدولية هذه الأيام منطقة الرقة في سوريا إحدى قلاع تنظيم داعش.

وعلى الصعيد الفكري وقعت الجامعة العربية ممثلة للدول العربية وجامعة الأزهر مذكرة تفاهم لمواجهة الإرهاب...

الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الذي وقع مذكرة التفاهم بين الأزهر والجامعة العربية أكد أن المذكرة ترسخ للتعاون الرسمي المشترك بين الأزهر والجامعة العربية من أجل بذل جهود أكبر وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع لمواجهة التطرف والإرهاب ومواجهة ظاهرة «إسلام فوبيا» لدى الغرب، ونوه بأن الانطلاق من خلال مسارات جديدة لمواجهة مخاطر الفكر المتطرف والإرهاب وتصحيح صورة الإسلام والمسلمين من محاولات إلصاق تهم الإرهاب بهم.

نبارك أي خطوات جادة لاقتلاع الإرهاب فكرياً من خلال الدول العربية والأزهر... المشكلة هنا أن مؤسسة الدولة والمؤسسة الدينية هما جزء مهم من قضية الإرهاب (المشكلة).

عالمنا المعاصر شهد في الربع الأخير من القرن العشرين موجة تغيرات شملت معظم الأنظمة السياسية في العالم وقد أطلق عليها «موجة الديمقراطية الثالثة» التي ابتدأت في البرتغال واليونان عام 1974 واتجهت إلى إسبانيا ودول أميركا اللاتينية وبعدها داهمت الدول الشيوعية، وأدت إلى سقوط الاتحاد السوفياتي ودول شرق أوروبا الشيوعية، وأثر هذا الحراك للمطالبة بالديمقراطية على دول شرق آسيا وجنوبها مما غير خريطة العالم اليوم.

بالنسبة لعالمنا العربي، جرت عدة محاولات للتغيير إبان ثورات الربيع العربي عام 2011. وكان من نتائجها تغيير الأنظمة في كل من تونس ومصر لكن التغيير في سوريا واليمن أخذ بعداً طائفياً وقبلياً.

ما نريد قوله إن حالة من الإحباط سادت وفقد الأمل في التغيير السلمي ودخلت تلك الدول في حلقة مفرغة؛ فلا الأنظمة السياسية لا ترغب في التغيير حتى وإن كان سلمياً بل تتخوف منه، ولا المجتمعات العربية في تلك الدول قادرة على التغيير بحكم عقود طويلة من عدم الفعالية وانعدام المبادرات الجادة للتغيير. في ظل هذه الأجواء المحبطة برزت جماعات جديدة تدعو للمواجهة من خلال الحرب وهي لا تتوقف عن الدعوة للحرب والحشد الشعبي لها من خلال رفع شعارات «الحرب المقدسة» ضد الاستعمار والصهيونية والأنظمة العربية الداعمة لذلك...

إن ممارسة العنف لا تنبع من فراغ بل هي تعبير عن ثقافة سائدة بالفعل تحبذ ذلك العنف وتدعو إلى ممارسته... ويبقى السؤال لماذا لا تجد ثقافة الوسطية والاعتدال والمحبة والسلام قبولاً في مجتمعاتنا، بينما تجد ممارسة العنف بكل أشكاله قبولاً لدى قطاع كبير من مجتمعاتنا.

هذا التساؤل لا يستطيع الأزهر أو الجامعة العربية الرد عليه لأن هناك دوراً للتنشئة الاجتماعية المبكرة في ممارسة العنف والإرهاب بإعطاء مبرر لذلك من خلال السلطة الأبوية التي لا تعطي الأطفال ولا المرأة فرصة للتعبير والحوار داخل الأسرة، كما أن الجماعات الإسلامية روجت للعنف والإرهاب. لماذا أصبح شبابنا هم الأكثر استعداداً للتأثر بالفكر الإرهابي وممارسة العنف؟ هل يعود السبب إلى التربية والمفاهيم الدينية الخاطئة أم يعود ذلك إلى تنشئتهم الاجتماعية التي جعلتهم ينظرون للعالم الآخر بأنه زاخر بأعداء الله والوطن وإنهم كلهم كفرة يستحقون القتل والتشريد؟..

كنا نتمنى أن تشمل وثيقة الجامعة العربية والأزهر دراسات ميدانية واسعة تغطي معظم الدول العربية لمعرفة الخلفية الاجتماعية للمتطرفين والإرهابيين... هل ينتمون للطبقة العليا أو الوسطى أو الفقيرة. هذه الدراسة الميدانية ستعطينا مؤشراً عن الثقافة المجتمعية في العالم العربي... هل هي تقليدية محافظة ترفض التغيير أو متقدمة تؤمن بمفاهيم الدولة الحديثة التي عمادها العدالة والمساواة والحرية تحت حكم القانون.

السؤال الذي نود طرحه على أصحاب وثيقة التفاهم لمواجهة الإرهاب هو: هل وضعتم في الاعتبار كيف يمكن محاربة الإرهاب الجديد الذي يمثله تنظيم داعش بالأدوات والمفاهيم القديمة نفسها التي كنا نحارب بها المتأسلمين المتطرفين في السبعينات؟

ترديد الكلام عن نشر الفكر الوسطي المعتدل في العالم الإسلامي لم يعد يجدي من شباب تنظيم داعش الإرهابي... هؤلاء دافعهم للقتل والإرهاب ليس كما يدعون، بل هو سياسي. هذا التنظيم يريد الانتقام من الواقع الطائفي في العراق وسوريا وشعور قطاع كبير من السنة العرب بأنهم مظلومون ومهمشون في بلدانهم مما دفع بالبعض منهم للانضمام لـ«داعش».

لا يمكن محاربة التطرف والغلو في الدين من دون تبني قيم جديدة عمادها العقلانية والتعددية بين المواطنين وعدم زج الدين في السياسة.