أحمد يوسف أحمد 

ربما يكون مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو أكثر المتضررين من سلوك النظام القطري وسياساته التخريبية، ذلك أنه إذا كانت هذه السياسات قد استهدفت الأمن والاستقرار في عديد من الدول العربية بما في ذلك الدول التي قاطعته عقاباً له على سلوكه، فإن هذه السياسات لم تفلح في تحقيق أغراضها على الأقل بالنسبة للدول الخليجية، وإن شكلت بالنسبة لها عبئاً أمنياً.

أما مجلس التعاون فتلك قصة أخرى؛ لأن سياسات النظام القطري ضربت أسس المجلس في الصميم، باعتباره كياناً تشكل بالأساس لمواجهة أخطار خارجية أحدقت بأمن الخليج قبيل نشأته، سواء تمثلت في الثورة الإيرانية 1979، أو الغزو السوفييتي لأفغانستان في نهاية السنة نفسها، ثم تفجر الحرب العراقية- الإيرانية في السنة التالية. وتراكمت هذه الأخطار كافة في ظل العطب الذي أصاب الأمن القومي العربي في الصميم بالانقسام العربي- المصري حول سياسات التسوية مع إسرائيل، الذي وصل ذروته بإبرام معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية في 1979، وكذلك المواقف الدولية السلبية من دول الخليج العربية وثروتها النفطية بعد استخدامها الناجح في حرب أكتوبر 1973. ولهذه الاعتبارات كلها مثّل تأسيس مجلس التعاون الخليجي استجابة سليمة للتهديدات، بقدر ما كان يعني أيضاً أن ثمة خطراً مشتركاً يواجه أمن دوله، وأن هذه الدول قد عقدت العزم على أن تكون يداً واحدة في مواجهة الخطر.

غير أن هذا لم يكن هو المعنى الوحيد لتأسيس المجلس، فقد جاء هذا التأسيس في أعقاب فشل مزمن لمحاولات الوحدة العربية منذ تفككت الوحدة المصرية- السورية في 1961. وفي هذا الإطار بدا أن المجلس يطرح صيغة جديدة للوحدة العربية هي صيغة التجمعات الفرعية، ومنطقها أن تحقيق الوحدة العربية الشاملة في المديين القصير والمتوسط صعب أو حتى مستحيل لاعتبارات موضوعية نبهت إليها تجربة الوحدة المصرية- السورية، ولذلك لماذا لا يكون البديل هو تجمعات بين الدول المتقاربة تسعى إلى تعزيز التعاون بينها وصولاً إلى الوحدة، لعل هذا يكون طريقاً بديلاً أكثر أماناً لتحقيق التجمع العربي الشامل؟ وعلى رغم تحفظات البعض سياسياً وفكرياً على هذه الفكرة، فإنها أصبحت لاحقاً ظاهرة في العمل الوحدوي العربي بعد أن تكوّن في سنة واحدة (1989) تجمعان آخران هما الاتحاد المغاربي وضم الدول المغاربية الخمس ومجلس التعاون العربي ولم يكن له أساس جغرافي كمجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي، فقد ضم كلاً من العراق والأردن واليمن ومصر. وهكذا أصبحت التجمعات الثلاثة تضم أكثر من ثلثي الدول العربية، وخاصة بعد أن انضم جنوب اليمن إلى شماله في دولة واحدة. غير أن مجلس التعاون العربي لم يصمد لأكثر من سنة ونصف سنة بعد أن تحطم بسبب الاعتراض المصري على الغزو العراقي للكويت، وبعد سنوات لحقه الاتحاد المغاربي الذي بقي على الورق، ولكنه فقد أدنى فاعلية له بسبب الخلاف الجزائري- المغربي حول قضية الصحراء. وهكذا لم يصمد من هذه التجمعات سوى مجلس التعاون الخليجي الذي بقي شاهداً على درجة التماثل الخليجي في البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأملاً في إمكانية النجاح في تأسيس نموذج ناجح لعمل عربي وحدوي فعال.

وهكذا فإن الأضرار المترتبة على سياسات النظام القطري لم تقتصر على الإضرار بأمن دول خليجية شقيقة ودول عربية أخرى واستقرارها، ولا على ضرب محاولة ناجحة للتكامل الخليجي دامت وتعززت عبر أكثر من ثلث قرن رغم ما عانته من مشكلات، وإنما امتد ضررها أيضاً إلى أمل باقٍ في عمل تكاملي عربي شامل وهو ضرر لا يمكن قبوله، والمشكلة أنه مستمر طالما ثابر النظام القطري على سياساته التخريبية وتصور أن بمقدوره أن يحيا وسط بيئة تلفظ ممارساته التي تضر بأمنها واستقرارها. ويمثل هذا معضلة حقيقية لا بد من التفكير في حل لها من الآن، فالقمة الخليجية تقترب، ومن الضروري أن تتم مشاورات جادة ومكثفة بين الدول الخليجية الثلاث المقاطعة للنظام القطري وبين كل من سلطنة عُمان والكويت، كي تُدرس كل السبل المتاحة للخروج بالقمة إلى بر الأمان والحفاظ على رمز التكامل الخليجي وإنجازاته.