سامر سليمان 

وسط مناخ فني غير صحي، برزت المغنية الشابة مي عبدالعزيز كأحد النماذج الثائرة على السائد. رسمت لنفسها طريقاً يرتبط فيه الفن دائماً بالهدف والقيمة ويتجنب أي أعمال تجارية، مقابل انحيازه فقط إلى القضايا الحيوية. ويفسر ذلك التوجه والآخر الخاص بنشاطها الملحوظ في مجال العمل المجتمعي تلقيبها بـ «الملاك».

تقول المغنية الشابة لـ «الحياة»: «يستطيع الفن تفكيك الواقع وإعادة صياغة تركيبه. هو نشاط إنتاجي جماعي جدلي تتحول فيه الممارسة الإبداعية إلى ممارسة اجتماعية معرفية عبر عمليات الإرسال والتلقي وإعادة إنتاج. الفن دعامة فكرية تنويرية تساهم في تقدم الوعي الإنساني».

وتعد الفنانة العشرينية بذلك من الفنانات القليلات المعنيات بالرسالة الاجتماعية للفن ودوره الإيجابي في رصد تحولات المجتمع وإعادة صياغتها. وتلفت إلى أهمية ابتكار الأدوات الفنية اللازمة والتنسيق بينها لكي تصل الرسائل المطلوبة إلى المتلقي. من هنا كان طبيعياً أن ترتبط انطلاقتها الأولى بقضية محورية، كان ذلك عام 2012 حين غنت أولى أغنياتها «Beautiful Muhammad» عقب واقعة الفيلم الهولندي المسيء إلى الرسول (ص).

وتقول: «ألفت أغنية Beautiful Muhammad بعد عرض الفيلم المسيء إلى الرسول الكريم، استفزني كثيراً، ووجدت عاصفة من الكلمات تجتاح رأسي فألفتها لأتحدث فيها عن أخلاق النبي محمد. جربت أن أغنيها بنفسي ووجدت تفاعلاً كبيراً من أجانب وعرب ولاقت نجاحاً لافتاً، ومن ثم بدأت مشواري الفني».

على مدار السنوات الماضية استطاعت المغنية الشابة تحقيق شهرة خصوصاً بين الشباب ممن ارتبط اسمها لديهم بعدد من أشهر أغنياتها منها «إنت لسة جميلة» و «مش مكاننا الأخير» و «غفرانك» ذات الطابع الصوفي.

ربط كثيرون بين المغنية الشابة وموجة الغناء الصوفي الآخذة في التزايد، خصوصاً أنها أصدرت أول ألبوماتها في شهر رمضان وتضمن عدداً من الأغاني الدينية والتواشيح، فصنفت كمتصوفة، لكنها تؤكد: «لا يمثلني الغناء الصوفي مئة في المئة». وعلى عكس الغناء الصوفي الذي يولي الكلمة الأهمية الأولى، تؤمن هي بقوة الموسيقى كمحرك لإيصال المعنى والرسالة، فالعلة لا تكمن عندها في النصوص المطروحة بل في تطويرها وتطويعها وضبط إيقاعها حتى تتحول إلى «حالة» موسيقية فنية إبداعية يتم على أساسها انتقاء اللحن المناسب.

لم تتوقف في رسالتها عند الغناء بل شاركت في العديد من المبادرات الإنسانية وجالت دولاً عدة ضمن حملات إنسانية وتعليمية وفنية لأطفال أفريقيا. وساهمت هناك في مواجهة مفاهيم العنصرية والعنف والتمييز العرقي والديني. وتوضح: «بمقدار اختلاف ثقافاتنا نحن مشتركون في الفكر والمخاوف والآمال. كل بلد في أفريقيا حالة مختلفة وغريبة. ذهبت إلى كينيا وتنزانيا وجنوب أفريقيا وغانا، ودرّست أطفالاً على الحدود بين لبنان وسورية».

تهتم عبدالعزيز بالمرأة والأسرة العربية، إذ عرضت للكثير من القضايا المهمة كما في أغنية «أشجع واحدة» التي تدعو فيها الفتيات لمواجهة واقعهن اليومي، «فالمرأة قوية وقادرة على قهر الصعاب». وتضيف: «كتبت كلماتها بنفسي، فأنا أقدر كثيراً المرأة القوية القادرة على التغلب على مشكلاتها، إلا أنها في النهاية تحتاج إلى من يهتم بها ويربت على كتفها ويطمئنها. هذا لا ينتقص منها أبداً».

وفي أغنية «إنتِ لسة جميلة» تناولت قصصاً واقعية تحمل مأساة العديد من السيدات اللواتي عانين ما بين السرطان والعنف. وفي أغنيتها «مطمنة» تعرضت للدفء الأسري والعلاقة بين الأب وابنته. وتأمل المغنية الشابة تقديم أغنية عن سرطان الأطفال في الفترة المقبلة.

لم تدرس عبدالعزيز الموسيقى أكاديمياً. وحصلت على بكالوريوس الإعلام من الجامعة الأميركية في القاهرة، ودرست علم نفس الأطفال في الولايات المتحدة، كما عملت مع اليونيسيف وجمعيات خيرية عدة. سافرت إلى كينيا وتنزانيا ولبنان وغانا وجنوب أفريقيا ومصر لتنشر رسالتها من خلال الموسيقى والتدريس وحصدت عدداً من التكريمات والجوائز المهمة. وهي تغني بالعربية والإنكليزية «لتصل رسائلي إلى أكبر عدد من الناس».