أحمد أميري 

تقع ميانمار «بورما» ضمن إقليم جنوب شرق آسيا الذي يضم دولاً إسلامية، كإندونيسيا وماليزيا وبروناي، كما أنها تجاور دولة إسلامية كبيرة أخرى هي بنجلاديش، ويبلغ تعداد المسلمين في الدول الأربع زهاء 390 مليون نسمة، فضلاً عن عشرات الملايين من المسلمين المنتشرين في دول ليست بعيدة عن ميانمار.

وإذا كنا نريد مواصلة الحديث عن مأساة الأقلية الروهنجية على أساس ديني، فإن الروهنجيين يتعرّضون لِما يتعرضون له أمام أنظار ما لا يقل عن 400 مليون مسلم ينتمون إلى المناطق نفسها، هم الأقدر على تلمّس أوضاع جيرانهم، وفهم مأساتهم، وإيصال صوتهم إلى العالم، وممارسة حكومات دولهم الضغوط على الحكومة البورمية، وحثّ المجتمع الدولي على مدّ يد العون لهم.

والرواية الدينية واحدة من الروايات فقط، فثمة رواية تقول إن الروهنيجيين بنغال دخلوا ميانمار بشكل غير شرعي، ويدعم هذه الرواية وجود مسلمين بورميين يعيشون هناك في سلام، ورواية أخرى تقول إنهم انفصاليون يحلمون باستقطاع جزء من أرض ميانمار، وفي كل الأحوال، هناك اضطهاد ضد هذه الأقلية أياً كانت الأسباب والخلفيات.

وكعادة الإسلاميين في الخليج، هناك محاولات منهم للاستفادة من مأساة الروهنجيين عبر تصوير الصراع على أنه ديني، ثم جرّ شباب الخليج إلى ذلك الحريق البعيد، يعاونهم في ذلك الإعلام القطري الذي يمتهن صبّ الزيت على النار، خصوصاً أن هناك جالية بورمية مسلمة كبيرة في السعودية، لديها مطالبات عجيبة وغريبة.

وما يزال الخليج يدفع تكاليف الزجّ بشبابه في أتون الحرب الأفغانية، ثم الحرائق الأخرى التي اندلعت في الشيشان، والبوسنة، والصومال، والعراق، وسوريا، حتى صاروا ألعوبة في يد المتأسلمين، وهلك جمع منهم في تلك الحرائق العبثية، وتورّطت المجتمعات بالناجين منهم، العائدين بأفكار الموت والكلاشنكوف، هذا فضلاً عن تسبّبهم في وضع دولهم ومجتمعاتهم في موضع الشبهات.

التعاطف مع الأقلية الروهنجية ودعمها من باب الأخوة الإنسانية والدينية شيء، والحشد للقضية عبر التجييش والتهييج واللعب على الوتر الديني شيء آخر تماماً، خصوصاً في ظلّ الأنباء التي تتحدث عن ظهور تشكيلات مسلحة بين تلك الأقلية على نمط التنظيمات الجهادية الإرهابية.

مأساة الروهينجا تقع أمام أنظار ما لا يقل عن 400 مليون مسلم من سكان تلك المناطق، وفي محيط دول إسلامية لها كلمتها في ذلك الجزء من العالم، وهم، وليس دول الخليج وشعوبها، الأقرب إلى المشكلة، والأقدر على فهمها، والأفضل في إيصالها، والأولى بها. هذا إذا كانت المشكلة دينية فعلاً.

تواجه دول الخليج تحديات مختلفة، فثمة أيادي إيرانية تتحرك في الجوار يجب قطعها، ومتطرفون يتحيّنون الفرص لا بد من مبادرتهم في أوكارهم، ومتأسلمون يحملون بذور أفكارهم الغبية ينبغي الوصول إلى الحقل قبلهم، ونفط يوشك على النضوب لا بديل عن الاستعداد ليومه الأخير، وقطار حضاري يطوف العالم لا بد من اللحاق به، ويضاف إلى هذا كله المسؤولية الملقاة على عاتق الخليج لإصلاح الأضرار الناجمة عن «الربيع العربي»، ناهيكم عن الصداع القطري المزمن.‏‭