عبدالله العوضي

بعد أكثر من ثلاثة عقود من العيش في برد الوصال مع دول مجلس التعاون الخليجي، قطر تسرب أحاديث إلكترونية وغيرها عن سخونة الانفصال عن هذه المنظمة الإقليمية الخليجية التي جاءت لتوقف امتداد النفوذ الإيراني في المنطقة بعد حرب عراقية- إيرانية طاحنة أكلت أخضر تريليون دولار ويابس ملايين الضحايا والمكلومين.

يأتي الجسم «الحبيب» في المجلس ليغذي جرثومة الجسم «الغريب» في إيران ليعطيها صكاً للغفران والسماح لها بفتح «البيبان» لها في قطر للعبور إلى بقية أركان الخليج العربي بلا نكران ولا حسبان.

ولم يمض على الأزمة القطرية الراهنة شهر واحد حتى سربت وسائل التواصل الاجتماعي رسالة مُقدَمة للأمانة العامة لمجلس التعاون تطالب فيها بوقف ما تسميه «الحصار» أي المقاطعة في مهلة ثلاثة أيام وإلا بعدها تعلن الانفصال أو الخروج علناً من هذا المجلس الذي شعرت بالاختناق من طول مدى ذاك الوصال الذي مضى والذي تأبى قطر إعادة خيوطه من جديد.

ومر غير مرور الكرام أمر هذه الرسالة على أساس أنها إشاعة مفبركة أو رسالة مشوهة من «أعداء» قطر في دول المجلس حتى جاءنا الخبر اليقين من «الهدهد» الإيراني، عبدالله سهرابي سفير إيران السابق في قطر والذي غدى في هذه الأزمة الراهنة كالمتحدث الرسمي الحالي باسم الدوحة، لكي يصرح بأن أمير قطر بصدد الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، بل لكي يؤكد هذا الإيراني على إعادة المصداقية لتلك الرسالة المسربة والمذبذبة والمذيلة بالتهديد الصريح بالانفصال.

ولن نذهب بعيداً مع السفير الإيراني السابق، حتى نلتقي بأهل الدار القطرية رئيس تحرير «العرب» القطرية الذي يزيد من تأكيد التصريح الإيراني تأكيداً مضاعفاً ومركباً ليقول: «أعتقد أنه لا جدوى من بقاء قطر في منظومة مجلس التعاون بعد حصار ثلاث دول بقصد الخنق والتضييق عليها».

بعدما ضاقت قطر على نفسها ولم تعد لها سعة لتحمل هذا الاختناق الذاتي لوضعها تزيد من نبرة حديث الخروج ضيق الوصال إلى سعة الانفصال في راحتها، فلماذا لم تعلن عن هذه الخطوة وقد مرّ على ذاك التهديد المكتوب والمسرّب أكثر من ثلاثة أشهر وهي تملك قوة الإرادة الإيرانية والتركية لدفعها نحو ذلك بكل سهولة، بعد أن وجدت فيهما سنداً وظهراً لها في أزمتها رماها البعض «بالمصطنعة» لصالح من؟ فلقد اختصر لهم حكيم الإمارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الطريق في قصيدته الأخيرة «الدرب واضح» في شطري هذين البيتين إن أرادوا وقف هذا الانحدار السياسي لنظامهم:

«وإن ما بغيتوا دربنا بامتناني

فكل واحد له طريجه وشانه»

وهو قول خبير بأهل الحكم في قطر وشعبها، فليس هناك داع لهذه المماطلة في الخروج تلويحاً وتسريباً وتصريحاً إيرانياً وقطرياً، فلماذا طول الانتظار في اتخاذ هذه الخطوة الانفصالية المنفردة وما زالت الإرادة والإدارة والسيادة والوصاية قطرية، وإن شابها صبغة الإرهاب والتطرف، حتى في شأنها السياسي فضلاً عن السيادي.

فالتعاون ماضٍ في مسيرته وجاد في عبور هذه الأزمة بسلام ولو كانت النتيجة في النهاية بدون قطر، ولكن لا تكون صفرية كما تريد السياسة الخارجية الحالية لقطر التي تسعى لقطع الوصال عن أشقائها بأي ثمن.