سلمان الدوسري

بعد ساعة واحدة فقط من تصريحات الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، في واشنطن، عن موافقة قطر على الشروط الثلاثة عشر لحل أزمتها مع الدول الأربع، سارع وزير خارجية قطر لنفي تلك التصريحات بشدة، بل وزاد عليها أن الشروط «أصبحت من الماضي». 

وبعد أن بدا أن الشيخ صباح يعطي شيئاً من التفاؤل بأن هناك انفراجة قادمة، وأن الدوحة تتجاوب قليلاً ما مع وساطته المستمرة منذ نحو ثلاثة أشهر، أعادت السلطات القطرية الأزمة إلى المربع الأول، وفوق هذا ضربت الوساطة الكويتية في مقتل، وأذهبت جهود الشيخ صباح أدراج الرياح.
ربما هناك من تفاجأ من ردة الفعل القطرية الصادمة ضد وساطة الشيخ صباح؛ لكن الموقف القطري المراوغ في حقيقته لم يتغير منذ بدء الأزمة في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي، ومع هذا لعله يدقّ ناقوس الخطر لدى من يصدقون أن هناك جدية لدى سلطات قطر في حل الأزمة، عن طريق الوساطة الكويتية.
ولأن الدوحة لم تترك أي فرصة لنجاح التحركات الدبلوماسية التي يقودها أمير الكويت، ولأنها نفت تصريحاته إعلامياً حتى قبل أن يغادر البيت الأبيض، ولم تنتظر توضيح موقفها للشيخ صباح شخصياً، كان لزاماً على الدول الأربع أن توضح موقفها هي الأخرى أمام التعنت القطري، والذي وإن لم يكن جديداً، فإنه إدانة أخرى لعدم مصداقية السلطات القطرية في إيجاد حل للأزمة. 
وكان لافتاً في بيان الدول الأربع قولها إن «دولاً أخرى كثيرة في العالم أجمع، لم تتمكن من إعلان موقفها بسبب التغلغل القطري في شأنها الداخلي، مما جعلها تخشى من عواقب ذلك؛ خصوصاً مع السوابق القطرية في دعم الانقلابات، واحتضان وتمويل الإرهاب والفكر المتطرف، وخطاب الكراهية»، وهي رسالة سياسية بالغة الأهمية، بأن الدول الأربع تعي ما الذي يجري خلف الكواليس، ولماذا لا تعلن بعض دول المنطقة موقفها الحقيقي من قطر، حتى وهي أشد المتضررين، كما أنها برهان على صحة المخاوف الرباعية من التدخل القطري في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، الذي ثبت بالفعل أنه يشكل خطورة للدرجة التي تشكل تهديداً داخلياً للدول.
في تقديري، أهم ما خرج به المؤتمر الصحافي لأمير الكويت والرئيس الأميركي، وما يمكن أن يبنى عليه في المرحلة القادمة، كمعيار واضح لكيفية إنهاء الأزمة من وجهة نظر البيت الأبيض تحديداً، تأكيد الرئيس دونالد ترمب على أن السبيل الوحيد لحل الأزمة هو «ضرورة وقف دعم وتمويل الإرهاب، وعدم رغبته في حل الأزمة ما لم يتحقق ذلك»، وهي عبارة كافية لمعرفة أنه من دون حل المعضلة الرئيسية المتمثلة في وقف قطر لدعم الإرهاب وتمويله، فلا داعي لإنهاء الأزمة شكلياً بوساطة ومن دونها، فالحرائق التي أشعلتها قطر في زوايا المنطقة لا تزال مشتعلة، وسيارة الإطفاء القادرة على إخماد تلك الحرائق بالتأكيد لا يمكن أن تمتلئ بدلاً من الماء بعبارات تناسي الخلافات والتسامح، أو أسلوب «عفا الله عما سلف»، فهذه العبارات تحديداً هي التي ساهمت في تفنن إشعال قطر للحرائق طوال عشرين عاماً.
أعان الله أمير الكويت على تحمله التناقضات القطرية المتواصلة في سبيل نجاح الوساطة، فالدوحة تتخذ موقفاً في العلن يختلف عن موقفها لدى العواصم الغربية، كما أنها تتخذ موقفاً مغايراً ثالثاً لدى الشيخ صباح، ثم تنقلب على مواقفها لتتخذ موقفاً رابعاً جديداً، كما في اعتبارها أن الشروط الثلاثة عشر «أصبحت من الماضي»، والذي لا جدال فيه أن الكويت فوجئت جداً منها، فالتصريح بمثل هذا دون علم الشيخ صباح، يعني أن قطر طعنت الوساطة الكويتية وأمام الملأ.