سمير عطا الله

 تعلمت كيف يستطيع الناس أن يعيشوا مع الفئران والعقارب والحشرات، وعلى بضع ملاعق من الأرز، وموزة أو موزتين في اليوم، وأن يقفوا بالطوابير لساعات أمام المراحيض، وأن يغتسلوا بأقل من ليتر واحد من المياه، ويقتسموا مكان سكنهم مع مجموعة من الخصيان».

هكذا يعرض الفرنسي دومينيك لابيير لكتابه «مدينة الفرح» على قفا الغلاف. و«مدينة الفرح» هي كالكوتا الهندية، التي تغير اسمها بعد صدور الكتاب إلى كولكاتا. وفي البداية، اعتبر الكتاب إهانة لها، ولم يشفع لصاحبه أنه خصص نصف الأرباح لفقراء المدينة. لكن في النهاية، أقام لابيير مؤسسة خيرية رأسمالها ملايين الدولارات، للعناية بالفقراء الذين كانوا يشكلون 56 في المائة من سكان الهند، عندما صدر الكتاب منتصف الثمانينات.
من دون أن يدري، ابتكر لابيير شيئاً يسمى «سياحة أحياء الصفيح». في البداية رفض أحد هذه الأحياء معونة بـ400 ألف دولار قدمها الكاتب. لكن بعد قليل، أصبح السياح يصلون بالآلاف ومعهم نسخة من «مدينة الفرح». واكتشفوا أن هذا التدفق يشكل دخلاً غير متوقع. ولم يعودوا يرون في الأمر إهانة؛ بل باباً جديداً للحياة.
التقينا دومينيك لابيير في بيروت أوائل السبعينات، على غداء مع الأستاذ غسان تويني. وكان معه يومها، شريكه في وضع الكتب، الصحافي الأميركي لاري كولينز. وكان الاثنان قد تعارفا خلال الحرب العالمية الثانية، ثم اتفقا بعد الحرب على وضع الكتب المشتركة. وعندما جاءا إلى بيروت، كانا قد أصدرا للتوّ كتاب «آه، القدس» وهو محاولة «موضوعية» لوصف سقوط المدينة، استناداً إلى شهادات من الفريقين.
«مدينة الفرح» كان أول كتاب يضعه لابيير منفرداً. بيعت منه ملايين النسخ، تحول إلى فيلم كان الإقبال عليه مذهلاً. وأدّى نجاحه إلى موجة من الكتب والأفلام المشابهة، كان آخرها «مليونير حي الصفيح»، الذي حطم الأرقام القياسية للإيرادات. وقد حاولت مشاهدته، واستطعت الصمود أمام صور شوارع الطين وتلال القمامة نحو عشر دقائق، وربما أقل.
كنت قد شاهدت هذه المناظر في بومباي قبل 50 عاماً، وبسببها، لم أفكر مرة أخرى في زيارة الهند، حتى إلى المؤتمرات الكبرى التي ذهب إليها الجميع. غير أن الحظ حالفني في إجراء مقابلة مع أنديرا غاندي في بيروت، بوساطة من صديقها وصديق نهرو، كلوفيس مقصود، الذي قيل إنه أشهر عربي دخل الهند وأقام صداقة مع كبار سياسييها.