خليل يوسف

ـ1ـ
يحظى بالرواج الآن ان تنظيم «داعش» هزم أو يكاد أن ينتهي في العراق، وانه على وشك ان يلفظ انفاسه الأخيرة في سوريا، كما ان وجوده في لبنان وليبيا يوشك على الانتهاء، وربما الهدف ذاته بات على مرمى حجر في بلدان اخرى وجد داعش وتوابعه ومشتقاته موطئ قدم فيها.

الحديث السائد الآن عن النصر المبين على داعش، وهزيمة ما تبقى من الذئاب الداعشية، وقرب نهاية داعش وتوابع داعش وأشباه داعش من الجماعات التكفيرية المتطرفة هنا او هناك في معارك هي من أشرس المعارك في التاريخ الحديث، خلقت كوارث مريرة، وفرضت اثمانا باهظة من الدم والمال والتضحيات، وهذا الحديث عن النصر يكثر الآن، ربما من فرط الحاجة اليه في بلدان العرب والمسلمين، مع عدم التقليل من أهمية أصوات ترى ان اعلان موعد دفن داعش لازال بعيدا وانه من غير المستبعد ان نشهد مرحلة جديدة من القبح والتوحش بصور وأنواع واشكال ومعان وأسماء مختلفة تخلق من جديد أفخاخا وكمائن جديدة خاصة مع استمرار وجود من يتصارعون من الداخل والخارج على العقائد والمذاهب، او على المواقع والمصالح والهيمنة والنفوذ..!!
سيكون من السذاجة والتبسيط والخداع في اي حديث عن النصر على داعش الدولة والتنظيم، او الحديث عن مرحلة ما بعد داعش، اذا تجاهلنا ان أفكار داعش التكفيرية لازالت منتشرة في دول إسلامية وأوروبية، وخطر الاعمال الإرهابية لازال قائما هنا او هناك، بدليل مانشهده بصورة مستمرة ويومية تقريبا من اعمال دهس وطعن وتفجير، وهذا النصر سيكون ناقصا مالم يتم معرفة الظروف الموضوعية التي أفرزت داعش، وتمدد خطر داعش والفكر الداعشي والمدى الذي بلغه في استغلال النصوص الدينية والتكالب على الشراسة والعدوانية وفرض الوصايات وفرز الناس والقتل والذبح، وما لم يتم الانتصار على الأسباب التي أنتجت داعش وتوابعها والتصدي لمكامن الخلل ومصادر الخطر التي أوجدت كل هذه النفسيات المعطوبة والموبوءة التي شحنت لتكون منتجة لجرثومات التعصب والفتن والكراهية وتكفير الآخرين وأبلستهم، واذا لم يتم التصدي للمصانع التي تفرخ العقول الداعشية من عملية تعليمية ومدارس ومناهج وجمعيات وجماعات الغلو والتعصب والتطرف وكل ما يخلق بذور ثقافة داعشية يريد البعض ان تتغلغل في بنية مجتمعاتنا، اذا لم نفعل ذلك سيظل خطر اعادة انتاج داعش قائما على الدوام، ربما بأسماء اخرى، ومؤسسين آخرين، وتشكيلات اخرى، واذا لم نبحث في كيفية تأسيس تنظيم داعش، ومنابع تمويله بالمال والسلاح والرجال، وكيف طور أدواته في التسويق والتجنيد، من رعاه، وسهل له، ومن وفر له الإمكانيات وكل التجهيزات للاتصالات والإنترنت، ومن هم اصحاب الأجندات والحسابات والقوى والمخططين في الكواليس والأتباع والأنصار وكل الذين تواطئوا او انخرطوا في صناعة الدمار..!!، دون ان ننسى او نتجاهل اهمية البحث في دور الدولة العادلة التي تسود فيها المواطنة وحقوق الانسان وحرية الأديان والمساواة وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد والفاسدين وعدم المتاجرة بالدين واستغلاله بوسائل وغايات ومآرب لم تعد تخفى على ذوى الألباب والفطنة وإلا ستذهب كل الجهود في محاربة داعش وكل فكر متطرف هباء منثورا، وسنظل امام واقع مختل يجعلنا عرضة بصورة او بأخرى امام حالة جديدة من التوحش، والمسؤولية تطال في النهاية الجميع.
التساؤلات الحائرة كثيرة تظل تبحث عن اجابات مقنعة، لكن السؤال الملح الآن، هل انتهت داعش فعلا، وهل خلا واقعنا من الدواعش وصناع الدواعش..!!

ـ2ـ
الخامس عشر من الشهر الجاري، يصادف الجمعة القادم، يحتفل العالم باليوم العالمي للديمقراطية، وذلك استجابة لقرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 نوفمبر 2007 ودعت فيه الدول الأعضاء ومؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية والأفراد للاحتفال بهذا اليوم باعتباره يوما عالميا للديمقراطية وذلك بالإسلوب الذي يسهم في إذكاء الوعي بالديمقراطية..
ربما اهم ما يمكن ملاحظته هو حالة اللامبالاة بهذه المناسبة، تمر مرور الكرام، ويبدو واضحا ان الدول العربية ليس لديها الاستعداد والجاهزية لكن تنشغل في إذكاء الوعي بالديمقراطية بالرغم من كثرة استهلاك لفظة الديمقراطية الى درجة الابتذال الى الحد الذي أفرغت الكلمة من مضمونها، ومن كل المعاني التي تحملها، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لدى هذه الدول الى ترجمة الديمقراطية في حياتنا السياسية والاجتماعية، والمعضلة ان هذه الدول او بعضها ترى أنها تمارس الديمقراطية، عبر ما تراه من انفتاح سياسي، وبرلمانات نعلم كيف تتشكل، وغير ذلك مما يقتضيه الديكور الديمقراطي.. وتنسى او تتناسى هذه الدول ان الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم، وهي تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، ومن ضمن اهم أركانها المواطنة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والمساواة بين المواطنين والتعددية السياسية، وحرية الرأي والتعبير، وفصل السلطات، واستقلالية القضاء ومجتمع مدني فاعل وبرلمان منتخب بمنتهى الحرية والنزاهة.
ذلك من اهم ما تفرضه الديمقراطية الحقة، ولكن من يعايش ويتابع واقع حال الديمقراطية في جل بلداننا العربية حتما يدرك كيف تضافرت قوى كثيرة محلية وخارجية لإجهاض المشروع الديمقراطي وبعث حالة من القنوط من حدوث تغيير، وكأن ثمة من يريد لنا ان نتوقف عن الجري وراء حلمنا بالديمقراطية، وفي أحسن الأحوال نشغل وننشغل وراء حملات التبشير بالديمقراطية دون اي خروج آمن لها..!!، لذلك ليس غريبا او مستغربا ان تمضي مناسبة اليوم العالم للديمقراطية مرور الكرام، مع احتمال ان يظهر لنا من ألفناهم مثابرين على اعادة انتاج الكلام في دول المنطقة العربية يسوقون لنا الوهم اننا نعيش الديمقراطية، ويكيلون المدح لها ولمزاياها، وبالمقابل هناك يروجون لكلام آخر من نوع «اعاهدكم على المضى في طريق الديمقراطية»..!!، المعضلة ان هؤلاء يفهمون الديمقراطية بطريقة خاصة لاعلاقة لها بالأصول الديمقراطية والأسس التي يجب ان تقوم عليها، والأسوأ حين تكون الديمقراطية شعارا يرفع بوجه الخصوم او حسب المشيئة والأهواء والمناسبات التي تجعلنا نتفنن في تزيين تمسكنا بالديمقراطية.. !!